হায়াত শর্ক
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
জনগুলি
وقد تجلت تلك الصفات المرذولة في استعمارهم الذي لا غاية له إلا الربح المادي من المستعمرات واستغلال الشعوب المحكومة أفظع استغلال.
ولم يكن لهم من هذا الاستعمار غاية إلا إحداث الغنى للطبقات المتاجرة في الوطن، وقد تحققت تلك الآمال إلى ما وراء الخيال وجاءت الأموال تترى على تلك المدن الهابطة التي تعيش على سواحل «الزيدرزي» وبحر الشمال.
لم تكن هولندا لتضيق بشعبها الضئيل الذي لا يتجاوز خمسة ملايين (وقد كان في القرن السابع عشر عند بداية الاستعمار لا يزيد عن مليون واحد) حتى يغفر له البحث عن مصرف للزائدين من أهليه، فإن مساحة البلاد كبيرة بالنسبة لسكانها وقد زاد عددهم أربعة ملايين في ثلاثة قرون على حساب ذلك الشعب الشرقي المسكين الذي يعاني الأمرين من حكم هولندا وعدده يزيد اثنتي عشرة مرة عن أهل هولندا أنفسهم، أي إن لكل هولندي رجلا أو امرأة طفلا أو شيخا عاملا أو عاطلا صحيحا أو عليلا خمسة من بني الإنسان الشرقيين، يعملون لإسعاده وتنمية ثروته وحفظ كيانه وهو قابع في عقر داره. وليس في جاوه ذاتها أو في غيرها من الجزر عدد كبير من المستعمرين الذي ضاقت بهم السبل في وطنهم. ولكن النظام نفسه نظام قاس فظيع، وهو يقضي بأن يقوم الزارع الجاوي أو الإندونيسي بزرع أرض المستعمر ثم هو يأخذ حاجته من الطعام، ولكن هذه الحاجة تعطى بأشد تضييق فهو يتناول القوت الضروري لا أكثر ولا أقل، وكل ما ينتج من الأرض يكون للمولى الهولندي. وليس بين هذا النظام وبين نظام الرقيق فرق في شيء، بل إن الرقيق ليطمع يوما أن يدخل في أسرة مولاه وقد يرثه أو يشاركه، أما في إندونيسيا فالعامل الوطني مملوك للسيد الأجنبي، وهو مملوك محتقر مبغوض ولا أمل له في شيء من خيرات هذه الحياة. ولا يجد الفاتح الأوروبي الذي يريد الاستيلاء على مستعمرات هولندا صعوبة في ذلك، لأن هولندا بمظالمها تمهد الطريق لإفلات مستعمراتها من يدها. فان كلايف الإنجليزي استولى على أملاك هولندا بسهولة تامة في الهند 1750، وبعده بعشرين عاما اغتصب كونواليس جزيرة سيلان 1795 من هولندا ولم يجد مقاومة.
المدينة جاوه العريقة
إن استقراء أحوال إندونيسيا الحديثة من أغرب صحف التاريخ الشرقي في الزمن الحاضر فإن هذا الشعب الذي يقطن جزرا كثيرة أهمها صوماترا وجاوه وبورنيو وسيليبس وغيرها من الجزر الصغيرة التي قد تبلغ الألف عدا يقطنها شعب أسيوي عريق في المدنية وكان يدين بالبوذية، وهو يبلغ الآن ستين مليونا تسعة أعشارهم من المسلمين وبقيتهم من البوذيين والمتنصرين على أيدي الهولنديين، وللبوذيين في سورابايا معبد من أجمل وأضخم معابد الدنيا وفيه من آثار الفنون والجمال ما لا يعادله إلا الآثار المصرية من حيث الجمال والبهاء والرونق، وقد نقشت عليه حياة الشعب الإندونيسي وتاريخه وعبادته وعاداته.
وقد ألف الإندونيسيون أحزابا سياسية للخلاص من الاستعمار الهولندي، ومن هذه الأحزاب حزب «بوذي أوثاما أو النزعة الفاضلة» تأسس في سنة 1908 ورئيسه كوسوما أوتاياسنجي وهو محام، ثم حزب «شركة الإسلام» الذي تأسس سنة 1912 وهو مثل الحزب الوطني المصري ورئيسه عمر سعيد شكرا أميناتا. وقد كان هذا الزعيم (شكرا أميناتا أو شكري أمين) من سنة 1912 إلى 1920 يشغل مكانة كالتي كان يشغلها غاندي في الهند، ولكن نفوذه قد هبط لأسباب كثيرة.
وفي سنة 1912 نفسها أسس أغوس سالم جمعية الشباب المسلمين وهو وكيل حزب «شركة الإسلام» ومندوب إندونيسيا في مؤتمر العمل الدولي، وشاركه في العمل السيد عبد المطلب صنهاجي. وقد بلغ عدد أعضاء حزب «شركة الإسلام» في إبان مجده نحو مليونين من الأعضاء ونزلوا الآن إلى خمسين ألفا.
وسبب هذا الاضمحلال الذي عرا حزب «شركة الإسلام» أن أحد أعضائه وهو من الشبان غير المسئولين ولم يهتد أحد لمعرفته قد دعا إلى الشيوعية ووجد آذانا مصغية، فحدثت فتن وقلاقل وإضرابات واسعة النطاق، وتعدى كثيرون على الحياة والأموال، واستمرت هذه الحركة من سنة 1921 إلى سنة 1923، واتهم شكري أمين بالتحريض على الفتنة الشيوعية وحكم عليه بالسجن ثمانية أشهر مع أنه لم تكن له يد فيها ولكنه ذهب ضحيتها، وقد تمكن المستعمرون من تشويه سمعته على الطريقة التي يلجئون إليها في المستعمرات وهي أن ينسبوا إلى الزعماء عيوبا في أخلاقهم وخروقا في ذممهم فينالون منهم في نظر الشعوب الساذجة. وقديما نسب الإنجليز إلى بارنل الزعيم الأيرلندي اشتراكه في الجرائم السياسية وزورت عليه جريدة التيمس خطابا نسبت صدوره منه إلى الجناة، فلما ظهرت براءته بجهود لا توصف وأموال لا تقدر دبروا له مكيدة الكابتن أوشاي ولوثوا سمعته بتهمة الزنا وراح بارنل ضحية هذه التهمة، ومات بعدها ببضعة أشهر، وهذه خطة المستعمرين في جميع أنحاء العالم. وقد أدى مثل هذه الخطة إلى اضمحلال حزب «شركة الإسلام» وهبوط مركز رئيسها، وكانت نتيجة ذلك أن انشق الحزب إلى قسمين: أحمر شيوعي وأبيض إسلامي، ودب الخلاف بين أعضائه. وفي سنة 1925 حاول بعض الشبان تجديده وأطلقوا عليه اسم «حزب الشركة الإسلامية».
وفي سنة 1926 ظهرت حركة شيوعية أخرى بقيادة الشاب المهندس شمعون، وحصلت إضرابات في جميع أنحاء البلاد، وقبض على شمعون ونفي إلى هولندا، وخير بين البقاء فيها بمرتب وبين الخروج منها دون أن يعود إلى وطنه، ولا يعلم أحد إلى الآن مقره.
وفي سنة 1926 نهض الشاب سوكارنو وهو إندونيسي مسلم وله نفوذ عظيم، وقد ملك قلوب الجماهير بفصاحته وإخلاصه وإقدامه.
অজানা পৃষ্ঠা