163

হায়াত শর্ক

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

জনগুলি

فالعراق محتاجة للتعليم والري، ولكنها محتاجة للاستقلال قبل كل شيء.

وسوريا تاريخها منذ ثورتها العظمى كتاريخ العراق بعد ثورته وكتاريخ مصر بعد ثورتها، تلك الأمم ثارت وحاربت جهد طاقتها والدول المستعمرة استعملت معها خطة واحدة فهي أبدا تتردد بين اللين والشدة، وتعطي الوعود ثم تخلفها، وتعرض المعاهدات ثم تسحبها، وتارة تبيح الحياة البرلمانية وطورا تحرمها، فالبلاد في قلق دائم. وما حدث في تلك البلاد بصفة مكبرة تراه يحدث في فلسطين على صورة مصغرة، وترى العارفين يخشون فيها الثورة لأن اليهود يأكلون اللباب ويتركون القشور للعربي .

وإن ما حدث في فلسطين ليعد من أغرب حوادث التاريخ حقا، فإن العلاقة بين اليهود والمسلمين عامة والعرب خاصة كانت دائمة حسنة، ولا ينكر اليهود أن المسلمين وحدهم هم الذين أنقذوهم من تعصب النصارى سواء أكان في العصور القديمة أم الحديثة وسواء أكان في بغداد والأندلس لعهد الخلفاء أم في تركيا والشرق في العهد الحديث. ولم يكن أحد يظن أن اليهود يفقدون رشدهم ويفقدون ذاكرتهم وينسون قرابة الدم وأواصر النسب السامي في سبيل نهب أرض فلسطين وإحياء فكرة عقيمة وهي فكرة الوطن القومي التي سودت صحيفة أرثور بلفور الذي قضى حياته وهو يدعي أنه فيلسوف وأنه حر الفكر. وهكذا حيث كان يصح أن يوجد الإخاء والتسامح وحسن الضيافة والإكرام وجدت البغضاء والأحقاد والعداوة التي لا تزول إلا إذا حققت أماني أهل فلسطين العرب وقضي على وعد بلفور التعس وأعيدت إلى العرب من مسلمين ومسيحيين حقوقهم الوطنية.

أما شرق الأردن فقد وصف الحياة فيها وصفا دقيقا مؤلف «عامان في عمان»، وقال سياسي آخر: «إن القيود الثقيلة التي ينوء بأثقالها الأمير عبد الله لا تشرف الإنجليز كثيرا ولا قليلا، فإن المجرمين في سجون إنجلترا ينالون من العطف والرحمة والعدل أكثر مما يناله أهل شرق الأردن في وطنهم.»

وإن الإمام يحيى وإن كان مستقلا إلا أنهم قد سلبوا منه العسير أخيرا، وهاجموه بطياراتهم الحربية منذ سنتين في حملة جوية تأديبية (؟!) وملئوا المنطقة المحيطة بعدن وبحدود اليمن الجنوبية بإمارات وسلطنات عجيبة، فكل شيخ قبيلة في تلك الجهات مهما قل عدد رجاله يتعاهد مع الإنجليز ويربط له مرتب شهري من أربعين روبية فما فوق، وتعقد بينه وبين حكومة إنجلترا معاهدة سلم ودفاع وهجوم، ويطلق عليه اسم السلطان فلان. وكل هذا المجهود الشاذ جعل لخلق مقاطعات وهمية بين عدن واليمن ظاهره تأديب القبائل وباطنه الإضعاف من شأن الإمام يحيى المستقل. وكل هؤلاء السلاطين أشخاص ضعفاء لا تزيد مكانتهم عن مشيخة القبائل يتلقون الأوامر من حاكم عدن ويقبضون المرتب من خزينته ولا يستطيعون أن يمدوا الإنجليز بالقوة عندما يحتاجونها، أما الملوك الأقوياء الثلاثة يحيى وابن سعود وفيصل فقد فكر الإنجليز في ربطهم بالحلف العربي.

الوفد العراقي في اليمن

ولم نر دولة مهتمة للحلف العربي إلا العراق، ولم نجد كاتبا مشتغلا بالحلف العربي إلا الأمير شكيب أرسلان. وطبيعي أن الحلف معناه ائتلاف جملة ممالك وقد ذكرت على سبيل التعيين، وهي العراق والحجاز واليمن، وقالوا إنها نواة للعمل في المستقبل وإنها خميرة الحلف ... إلى آخر ما قالوا.

وقد رأينا فعلا وفدا عراقيا مكونا من نوري السعيد باشا وطه الهاشمي يسرع إلى مصر والحجاز واليمن، وقد قصد النوري باشا بلاد الحجاز وأوفد طه إلى اليمن، وقالوا إن طه محبوب في تلك البلاد ومعروف للإمام يحيى، وقد جاءت الأخبار من اليمن بأن الإمام لم يستقبل الوفد استقبالا رسميا ولم يشعر أحد من أهل اليمن بمجيئهم إلا بعد أن رأوهم في الطرق يلبسون السدارة العراقية التي هي أشبه بقبعات البلغار والبشنق ولا تقي الرأس شمسا ولا مطرا، بل تمتص الحرارة فيحمى وطيسها على الرأس وهي أسرع إلى التلف من غيرها من أغطية الرأس، ولا تفضل الطربوش ولا العمامة في شيء وتكسب وجه لابسها شكلا منفرا وتلقي عليه ظلا من سواد وكأنها في مجموعها غراب أسحم جاثم على جبين لابسها. أقول رأى أهل صنعاء هذا الوفد فتساءلوا عنهم وعرفوا غايتهم. ولكن الإمام الذي لا يقابل أحدا في العيد إلا بعد عشرة أيام لم يلقهم أو أنه لقيهم ولم يدرك غايتهم من الحلف، ولم يقطع معهم قولا لأنه حريص، طويل الأناة، يفضل الصبر والتأمل الطويل على التسرع والعجلة، ولا يبت في أمر حتى يدرسه ويفحصه من جميع ناحياته. وهو مثلنا لا يفهم ما هو الحلف العربي، ولا ما هو المقصود به، وبعبارة أخرى لعل الإمام جعل أذنا من طين وأخرى من عجين، ولا توجد أذن أشد صمما من تلك التي لا تريد أن تسمع. فاليمن إذن بعيدة عن فكرة الحلف، ولا بأس من احترام فكرته وتحبيذها والترحيب به إن وجد، ولكن الحلف لم يوجد ولا يعرف كنهه ولا ماهيته ولا الغاية المقصودة منه. فجواب الإمام على الدعوة إليه كجواب أسلوب الحكيم، لا سيما وأنه علم أن حكومة العراق تعاقدت مع الحكومة المصرية على تسليم المجرمين وحسن التفاهم وتبادل المودة الدولية ولم تزيدا، فلا بأس إن اتفق على ذلك هو أيضا.

بقي ملك الحجاز ابن سعود، فإنه إلى 26 مايو سنة 1931 أي بعد حضور نوري السعيد باشا إلى مصر والحجاز وعودته من الحجاز إلى العراق بأسابيع وهي تلك العودة التي ختم بها رحلة الحلف العربي؛ صرح في حديث لمحمد شفيق مصطفى قائلا: «إنني أحب من صميم قلبي أن يكون المسلمون عامة والعرب خاصة متفقين متحدين، على شريطة أن يكون رائدهم في العمل للمصلحة العامة الصدق والإخلاص. أما مشروع الحلف العربي فلم يحادثني فيه أحد للآن، ولم أعرف عنه سوى ما أطلع عليه مسطرا في بعض الصحف. ا.ه. كلام ملك الحجاز.

على أنه لم يكد ينتشر نبأ ذلك الحلف في الصحف الشرقية حتى انبرت اللادي دراموند هاي، وهي كاتبة إنجليزية القلم سورية الأصل والنشأة، لها علاقات واسعة برجال الاستعمار وصدور رجال الصحافة السكسونية مفتوحة لها؛ فنشرت في مجلة سفير الإنجليزية مقالا عن الحلف العربي قالت فيه: «إن الفكرة التي أخذت تختمر في أدمغة العرب هي إنشاء حلف عربي للتعاون (؟) وستكون العراق وشرق الأردن وبلاد العرب نواة لحلف عربي أكبر تتبعه دعاية في بلدان شمالي أفريقيا ترمي إلى اتحاد الأجناس العربية هناك، وآخر ما ينتظر أن تنضم مصر إلى هذا الحلف وعند ذلك يمتد من الخليج الفارسي إلى طنجة.» «وتعد مدينة القاهرة في نظر المسلمين المحور الفكري للعالم الإسلامي، ولما كانت تقع في مركز وسط فإنهم يتطلعون إليها كعاصمة لدول الحلف العربي، ومصر آخر من ينضم إلى مثل هذا الاتحاد، ولكن هل يتحقق هذا الحلم اللذيذ في أدمغة العرب؟»

অজানা পৃষ্ঠা