ولكن لماذا؟ لم أستطع أن أتوقف عن التفكير في هذا الأمر رغم أنني أعلم أنه لن يجلب لي السعادة، لماذا يكره الرب أي شيء من صنيعه ؟ وإذا كان سيكرهه فلم صنعه من البداية؟ وإذا كان قد صنع كل شيء كما أراد، فلا يسعنا إلقاء اللوم على أي شيء لما هو عليه، مما يستبعد فكرة الخطيئة تقريبا، أليس كذلك؟ إذن فلم كان على المسيح أن يموت تكفيرا لذنوبنا؟ لقد كان تأثير الموعظة علي تأثيرا سلبيا، فقد أصابتني بالحيرة وحب الجدال، بل إنها جعلتني أشعر بنفور من المسيح نفسه - رغم أنني لم أستطع الاعتراف بذلك - بسبب الطريقة التي يشار بها دائما إلى مثاليته. «إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟» قال القس: إن المسيح قد فقد الاتصال مع الرب للحظة قصيرة، نعم حدث ذلك بالفعل، حتى له هو. لقد فقد الاتصال، وفي الظلام صاح يائسا، ولكن ذلك كان جزءا من الخطة أيضا، وكان ضروريا كي نعلم أنه في أحلك لحظات حياتنا فإن شكوكنا وتعاستنا قد شاركنا فيها المسيح نفسه، وعندما نعلم ذلك فسوف تمر شكوكنا سريعا.
ولكن لماذا؟ لماذا يجب أن تمر سريعا؟ فلنفترض أن تلك كانت صيحة المسيح الحقيقية الأخيرة، آخر شيء حقيقي سمعه الناس منه. علينا أن نفترض ذلك على الأقل، أليس كذلك؟ علينا أن نضعه في اعتبارنا، افترض أنه صاح تلك الصيحة ثم مات ولم يقم مرة أخرى، ولم يكتشف قط أن كل ذلك جزء من الدراما الإلهية الصعبة. كان ثمة معاناة. نعم، تخيل أنه يدرك فجأة أن «الأمر ليس حقيقيا، لا شيء من ذلك كان حقيقيا.» إن ألم اليدين والقدمين الممزقة لا يعد شيئا بالمقارنة بذلك؛ لا يعد شيئا مقارنة بالنظر عبر شقوق العالم، بعد أن قطع كل ذلك الطريق وقال ما قال، ثم ماذا يرى؟ لا شيء. أخذت أصيح في داخلي للقس: تحدث عن هذا الأمر! أرجوك فلتتحدث عن هذا الأمر، اطرح تلك النظرية صراحة، ثم فندها.
ولكننا نفعل ما بوسعنا فعله، ولم يستطع القس القيام بما هو أكثر من ذلك.
قابلت السيدة شيريف في الطريق بعد مرور بضعة أيام، وكنت وحدي تلك المرة. «إنني أعرفك. ماذا تفعلين طوال الوقت في الكنيسة الأنجليكانية؟ ظننت أنك تتبعين الكنيسة المتحدة.» •••
عندما ذاب معظم الجليد وانحسر النهر، كنا نذهب أنا وأوين إلى طريق فلاتس إلى المزرعة كل على حدة في أيام السبت. وأصبح المنزل الذي كان يسكنه العم بيني طوال الشتاء ويسكنه أبي معظم الوقت - فيما عدا عطلات نهاية الأسبوع التي كان يقضيها معنا - أصبح قذرا حتى إنه لم يعد منزلا على الإطلاق، بل أصبح امتدادا للطريق في الخارج لكنه مسقوف. وضاعت رسمة مشمع المطبخ وشكلت الأوساخ التي تراكمت عليه رسمة أخرى. قال لي العم بيني: «والآن ها هي فتاة التنظيف، ما نحتاجه بالضبط.» ولكنني لم أعتقد ذلك. كان المكان بأسره تفوح منه رائحة الثعالب، ولن توقد نار في الموقد حتى المساء وظل الباب مفتوحا. وبالخارج كانت الغربان تنعق فوق الحقول الموحلة، والنهر مرتفع يميل إلى اللون الفضي، وشكل الأفق هو بالضبط كما نتذكره ثم ننساه ثم نتذكره مرة أخرى، وكأنه سحر. كانت الثعالب تعوي في عصبية؛ لأنه كان ذلك الوقت من العام الذي تضع فيه الإناث صغارها، ولم أكن أنا وأوين مسموحا لنا بالذهاب عند الحظائر.
كان أوين يتأرجح على الحبل المعلق أسفل شجرة الدردار حيث كانت أرجوحتنا في العام الماضي. «ميجور قتل أحد الخراف!»
كان ميجور كلبنا، ولكنه الآن أصبح يعد كلب أوين رغم أنه لا يولي أوين أي اهتمام خاص، ولكن أوين كان يوليه اهتماما خاصا. كان كلبا بنيا ذهبيا كبيرا هجينا من فصيلة كولي، وقد كان شديد الكسل الصيف الماضي حتى إنه لم يطارد السيارات، ولكنه كان يغفو في الظل، وسواء أكان مستيقظا أم نائما كان يبدو عليه وقار متمهل كأعضاء مجلس الشيوخ، والآن أصبح يطارد الخراف، لقد تعلم الإجرام في كبره كما قد يتعلم أحد أعضاء مجلس الشيوخ القدامى المتفاخرين الحريصين طوال حياتهم السابقة ارتكاب الرذائل علنا في كبره. عدت أنا وأوين كي نلقي نظرة عليه، وظل أوين يخبرني في الطريق أن الخروف كان ملك آل بوتر الذين كانت أرضهم تجاور أرضنا، وأن أبناء آل بوتر قد رأوا ميجور من شاحنتهم، فتوقفوا وقفزوا من فوق السور وهم يصرخون، ولكن ميجور كان قد فصل هذا الخروف عن الآخرين وظل يتتبعه حتى قتله. «قتله»، تخيلته غارقا في الدماء ممزقا. لم يصطد ميجور أو يقتل أي شيء في حياته من قبل، فتساءلت بحيرة واشمئزاز: «هل أراد أن يأكل؟» واضطر أوين لأن يوضح لي أن عملية القتل كانت حادثة عارضة نوعا ما؛ فيبدو أن الخراف يمكن أن تموت من الركض، أو تموت من الخوف، فهي كائنات ضعيفة بدينة مذعورة، وربما يكون ميجور قد قفز على ذلك الخروف وأصابه بالذعر من باب الحفاظ على شكله ليس أكثر - رغم أن ميجور قد أخذ تذكارا ملء فمه من الصوف الدافئ - ثم كان عليه أن ينطلق عائدا بسرعة البرق إلى المنزل (هذا إذا كان بإمكانه أن يندفع بسرعة البرق) لأن آل بوتر كانوا قادمين.
قيد ميجور في الحظيرة وترك الباب مفتوحا كي يمنحه بعض الضوء والهواء، وقفز أوين منفرج الساقين على ظهره كي يوقظه - وكان ميجور يستيقظ دائما بسرعة وجدية بلا أي ضوضاء، حتى إنه كان يصعب علينا التأكد مما إذا كان نائما بالفعل أم أنه يتظاهر بذلك - وأخذ يتقلب معه على الأرض محاولا أن يحثه على اللعب معه. قال أوين وهو يلكزه متفاخرا: «يا قاتل الخراف العجوز، يا قاتل الخراف العجوز.» وتحمل ميجور ذلك، ولكنه لم يكن مازحا أكثر من المعتاد، ولم يبد أنه قد استعاد شبابه بأي طريقة، إلا بتلك الطريقة التي أصابتنا بالصدمة، فلعق ميجور أعلى رأس أوين بطريقة متعالية، وعاد للنوم مرة أخرى بعد أن تركه أوين. «يجب أن يقيد حتى لا يطارد الخراف مرة أخرى، قاتل الخراف العجوز هذا. ويقول آل بوتر إنهم سوف يطلقون عليه الرصاص إذا أمسكوا به مرة أخرى.»
كان ذلك حقيقيا. كان ميجور بالفعل محط الأنظار، وأتى أبي وعمي بيني كي يلقوا عليه نظرة في كبريائه وبراءته المصطنعة وهو يرقد على أرض الحظيرة، ورأى العم بيني أن مصير ميجور الهلاك، فمن وجهة نظره لا أمل في أن ينجح كلب اكتسب عادة مطاردة الخراف في التغلب على تلك العادة. قال العم بيني وهو يداعب رأس ميجور: «عندما يكتسب هذا الميل ويذوق طعم هذه التجربة، فإنه يستمر هكذا للأبد، لا يمكنكم أن تدعوا قاتل الخراف يعيش.»
فصحت قائلة: «أتعني أن نطلق عليه الرصاص؟» ولم تكن تلك الصيحة مدفوعة في الواقع بحبي لميجور، ولكن لأنها بدت نهاية قاسية لما اعتبره الجميع قصة فكاهية، بدا الأمر كاقتياد عضو مجلس الشيوخ ذي الشعر الأبيض إلى الإعدام في ميدان عام عقابا على مقالبه المحرجة. «لا يمكن الاحتفاظ بقاتل خراف، فسوف يتسبب في إفلاسكم بسبب سداد ثمن كل الخراف التي قتلها، وعلى أية حال فسوف يقوم غيركم بذلك ما لم تفعلوه أنتم.»
অজানা পৃষ্ঠা