قال: «فلما تم طبع الديوان أهدى نسخة منه فيما أهدى إلى العلامة الشيخ إبراهيم اليازجي، والشيخ اليازجي يومئذ أديب العصر وأبلغ منشئ في العالم العربي، وكان الرافعي حريصا على أن يسمع رأي اليازجي في شعره وأدبه، ومضى زمان ولم يكتب اليازجي، على حين تناولت كل الصحف والمجلات ديوان الرافعي ومقدمته بالنقد أو التقريظ، واحتفل به «المؤيد» احتفالا كبيرا فنشر مقدمته في صدره، والمؤيد يومئذ جريدة العالم العربي كله.»
قال: «واستعجبت أن يهمل أستاذنا اليازجي هذا الديوان فلا يكتب عنه، واغتم الرافعي غما شديدا؛ إذ كان كل ما يكتب الأدباء في النقد لا يغني عن كلمة يقولها اليازجي، فذهبت أسأله، فقال لي: أنت على ثقة أن هذه المقدمة من إنشاء الرافعي؟ قلت: هو كتبها بعيني فما أشك في ذلك، قال اليازجي: وأنا ما أبطأت في الكتابة عن الديوان إلا من الشك في قدرة هذا الشيخ على إنشاء مثل هذه المقدمة، فأنا منذ أسبوعين أبحث عنها في مظانها من كتب العربية ... قلت: يا سيدي، إنه ليس بشيخ، إنه فتى لم يبلغ الثالثة والعشرين ...»
وكتب اليازحي بعد ذلك في عدد يونيو سنة 1903 من مجلة الضياء في تقريظ الجزء الأول من ديوان الرافعي ما يأتي: ... وقد صدره الناظم بمقدمة طويلة في تعريف الشعر، ذهب فيها مذهبا عزيزا في البلاغة، وتبسط ما شاء في وصف الشعر وتقسيمه وبيان مزيته، في كلام تضمن من فنون المجاز وضروب الخيال ما إذا تدبرته وجدته هو الشعر بعينه ...
ثم انتقد اليازجي بعض ألفاظ في الديوان، وعقب عليها بقوله: «... على أن هذا لا ينزل من قدر الديوان وإن كان يستحب أن يخلو منه؛ لأن المرآة النقية لا تستر أدنى غبار، ومن كملت محاسنه ظهر في جنبها أقل العيوب، وما انتقدنا هذه المواضع إلا ضنا بمثل هذا النظم أن تتعلق به هذه الشوائب، ورجاء أن يتنبه إلى مثلها في المنتظر، فإن الناظم كما بلغنا لم يتجاوز الثالثة والعشرين من سنيه، ولا ريب أن من أدرك هذه المنزلة في مثل هذه السن، سيكون من الأفراد المجلين في هذا العصر، وممن سيحلون جيد البلاغة بقلائد النظم والنثر.»
1
بلغ الرافعي بالجزء الأول من ديوانه مبلغه الذي أراد، واستطاع بغير عناء كبير أن يلفت إليه أنظار أدباء عصره ، ثم استمر على دأبه ، فأصدر في سنة 1904 الجزء الثاني من الديوان، وفي سنة 1906 أخرج الجزء الثالث، وفي سنة 1908 الجزء الأول من ديوان النظرات، ومضى على سنته، معنيا بالشعر، متصرفا في فنونه، ذاهبا فيه مذاهبه، لا يرى له هدفا إلا أن يبلغ منزلة من الشعر تخلد اسمه بين الشعراء العربية.
وتألق نجم الرافعي الشاعر، وبرز اسمه بين عشرات الأسماء من شعراء عصره براقا تلتمع أضواؤه وترمى أشعتها إلى بعيد، ولقي من حفاوة الأدباء ما لم يلقه إلا الأقلون من أدباء هذه الأمة، فكتب إليه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده يقول: «... أسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفا يمحق به الباطل، وأن يقيمك في الأواخر مقام حسان في الأوائل.»
وكتب المرحوم الزعيم مصطفى كامل باشا يقول: «... وسيأتي يوم إذا ذكر فيه الرافعي، قال الناس: هو الحكمة العالية مصوغة في أجمل قالب من البيان.»
وكتب حافظ، وقال البارودي، ونظم الكاظمي، وتحدث الأدباء والشعراء ما تحدثوا عن الرافعي الشاعر، وظل هو على مذهبه ذاك حتى سنة 1911، ثم تطورت به الحياة، وانفعلت أعصابه بأحداث الأيام، فانحرف عن الهدف الذي كان يرمي إليه من الشعر، وتوجه وجهة جديدة في الأدب سنتحدث عنها بعد.
ليس كل شعر الرافعي في دواوينه، وليس كل ما في دواوينه يدل على فنه وشاعريته، فالجيد الذي لم ينشر من شعر الرافعي أكثر مما نشر، وقد كان في نية الرافعي لو أمهلته المنية أن يتبرع لشعراء اليوم بأكثر ما في دواوينه، ثم يخرج منها ومما لم ينشر ديوانا واحدا مهذبا مصقولا، ليقدمه هدية منتقاة إلى الأدباء والمتأدبين، ولكن الموت غاله فبطل أمله وبقي عمله تراثا باقيا لمن يشاء أن يسدي يدا إلى العربية يتم بها صنيع الرافعي.
অজানা পৃষ্ঠা