وهي بسبيل مما سمع من أحاديث الشبان عن الحب، ورقية ثانية من رقى الحب الداعر، كانت الرقية الأولى هي كلمة «برهان ربه» في قصة سمو الحب، وكانت الرقية هنا هي كلمة «الله أكبر».
وأول الأمر في هذه المقالة أنني كنت جالسا إلى الرافعي في القهوة نتحدث في شأن ما، وساقنا الحديث مساقه إلى بعض شئون العيد، ولم يكن بيننا وبين عيد الفطر إلا أيام، وقال الرافعي: «... وأنا لو ارتد إلي السمع لن يطربني شيء من النشيد ما كان يطربني في صدر أيامي نشيد الناس في المساجد صبيحة يوم العيد: الله أكبر الله أكبر! يعج بها المسجد ويضج الناس ... ليت شعري! هل يسمع الناس هذا التكبير إلا كما يسمعون الكلام؟ الله أكبر! أما إنه لو عقل معناها كل من قالها أو سمع بها لاستقامت الحياة على وجهها ولم يضل أحد!»
ومضى يتحدث عن روح المسجد وفلسفة التكبير عند الأذان وفي كل صلاة، فما فرغ من الحديث حتى طرقنا زائر من رواد القهوة فحيا وجلس ...
وتنقل الحديث بيننا من فن إلى فن إلى فنون ...
وتهيأ موضوع القصة في فكر الرافعي، فلما دعاني ليمليها علي لم يجد في نفسه إقبالا على العمل، فوقف في الإملاء عند منتصف المقالة ونسأ البقية إلى غد، ثم كان تمامها.
وفي صبيحة يوم العيد ذهب على عادته إلى المقبرة لزيارة أبويه، وقد كان في الرافعي حرص شديد على ذكرى أبويه، فهما معه في كل حديث يتحدث به عن نفسه، وزيارة قبرهما فرض عليه كلما تهيأت له الفرصة، وما إيثاره الإقامة في طنطا على ضيقها به وجهلها مقداره إلا ليكون قريبا من قبر أبيه وأمه، وقد نقلته وزارة العدل مرة نقلة قريبة، فتمرد على أمر الوزارة وأبى الانتقال وانقطع عن العمل في وظيفته قرابة شهرين حتى ألغت الوزارة هذا النقل، وكانت كل حجته عند الوزارة في إيثار طنطا أن فيها قبر أبيه وأمه! ... وقد مات ودفن إلى جانب أبيه وأمه، فلعله الآن سعيد بقربهما في جوار الله ولعلهما به ... ... ولما عاد من زيارة المقبرة أملى علي مقالة «وحي القبور!» •••
ثم عاد إلى موضوع الزواج يتناوله من بعض أطرافه، فأنشأ قصة «بنته الصغيرة» وهي الثالثة مما نحل أئمة الصدر الأول من القصص، تحدث في «قصة زواج» عن سعيد بن المسيب، وتحدث في «سمو الحب» عن عطاء بن أبي رباح، وتحدث هنا عن مالك بن دينار والحسن البصري.
في هذه القصة يتناول الرافعي موضوع الزواج على النحو الذي تناوله به في قصة «رؤيا في السماء» على أنه باب إلى السمو بالإنسانية، وفيها - إلى ما فيها من الدعوة إلى الزواج وبر البنات - شيء من الأدب الديني يضمها إلى سابقاتها.
ثم نشر بعد هذه القصة الجزء الثالث من «كلمة وكليمة» - العدد 84 سنة 1935 - وفيها كلمات عن السياسة، وحديث عن المرأة، ونظرات في أخلاق بعض الناس أوحى إليه بمعانيها قضية كانت له في المحكمة شغله أمرها وقتا ما، وقصة ذلك أن الرافعي كان اشترى قطعة أرض للبناء في شمال المدينة، ونقد البائع ثمنها وجعل لها حدودا مرسومة، ثم أعجزه أن يبنيها فظلت خلاء، وكانت هي كل ما حصل الرافعي من الاشتغال بالأدب أكثر من ثلث قرن، ثم طمع البائع أخيرا فيما باع، فتحيف القطعة من أطرافها، واصطنع بينه وبين الرافعي مشكلة قانونية تعجزه عن بلوغ حقه إلا بعد مطاولة تدفع إلى اليأس، وشكاه الرافعي وتأهب لمناضلته، واستعان عليه خصمه بواحد من ذوي صهره يعمل مفتشا في وزارة العدل، فانتدب للتفتيش عن أعمال الرافعي الرسمية في محكمة طنطا مهددا متوعدا، لعله يحمله بذلك على النزول عن بعض حقه!
طالت القضية بين الرافعي وخصمه، وتعددت جلسات المحكمة، وطالت كذلك دورة التفتيش وكثر تحدي المفتش للرافعي حتى لزمه ثلاثة أشهر يفتش عن أعماله، فحص فيها عن بعض مئات من القضايا التي قدر الرافعي رسومها، لعله يعثر له فيها على غلطة تحمله على الخضوع له، وغلطة في تقدير الرسوم لقضية من القضايا معناها غرامة مالية ... ومن أين للرافعي؟
অজানা পৃষ্ঠা