فصدمتني هذه الكلمات النابية، ولم ألبث أن أجبتها بحدة ظاهرة، فقلت: إن المجلس البلدي الإسكندري يتمتع برقابة أجنبية من كل جنس وملة، ولا أظنكم تحسبونه مثلا من أمثلة النزاهة والنظام ...
فتنبه وسكت، ثم استأنف الحديث ليختمه بعبارة صالحة للختام، واستأذن هنيهة ثم عاد قائلا: إن اللورد - يعني كتشنر - كان يسره أن يراك لولا أنه يخرج الساعة إلى موعد سريع ...
فنهضت وودعت، وصادفني اللورد على باب المكتب، فأومأ بالتحية ومضى في طريقه، وجاءني الأستاذ حسين روحي في المساء يقول ويضحك : ماذا صنعت يا أخانا ... إن الرجل أجفل من جوابك الصارم، ولكنه قال: إن حديثك كان شائقا جدا ... •••
وأراد الأستاذ روحي أن يصرف الموضوع، فقال: إن مسألة «المؤيد» كانت عندهم أهم من مسألة الأوقاف، ويلوح لي أنهم كانوا يودون لو توليت تحريره، وكانوا يظنونك أكبر سنا من عشرة لعشرين، ولكنهم حسبوا عليك جريرة الشباب، وقالوا: إنه لا يزال صغيرا.
وهكذا عدنا إلى حديث الصحافة من طريق ديوان الأوقاف، وهكذا سنعود إليه بعد قليل ...
بين الوظيفة والصحافة
معركة الأوقاف
عملت في ديوان الأوقاف ... وكان عملي في مكتب السكرتارية أقرب المكاتب إلى دخائل الديوان، ولكنني أعترف اليوم بأن ما علمته في أيام خدمتي بالديوان من خفايا المعركة التي دارت حوله لم يكن غير الفقاقيع التي تطفو على وجه الماء ...
كانت معركة حامية تدور وقائعها بين القاهرة ولندن والآستانة، وتشترك فيها حاشية الخديو ودار الوكالة البريطانية وحزب الأمير حليم وأعوانه من رجال تركيا الفتاة، وأناس متفرقون في القاهرة من طلاب الإصلاح.
وكان الخديو يستميت في التشبث بموارد الديوان، ولا يقبل بحال من الأحوال أن تسحب ميزانيته من ميزانية الدولة، وحجته في ذلك أنه صاحب الولاية على الأوقاف بحكم الشرع، وبنصوص الواقفين في كثير من الأحوال ...
অজানা পৃষ্ঠা