قلت: إنني لم أعرف لي في طفولتي أملا غير صناعة القلم.
وهذا صحيح ...
وهذا غير صحيح ...!
صحيح إذا نظرنا إلى الوجهة القصوى في نهاية الطريق.
وغير صحيح إذا نظرنا إلى عطفة هنا أو منعرج هناك، أو زقاق بين بين في أثناء الطريق ...
كلا! بل تمنيت حينا أن أكون جنديا، وتمنيت حينا أن أكون عالما زراعيا، وهما فيما يبدو صناعتان متباعدتان!
ولكنني لم ألبث أن علمت أنني تعلقت بالجندية لأنني أريد صناعة القلم، وتعلقت بالعلوم الزراعية لأنني أريد صناعة القلم، وأن صناعة القلم كانت تلمحني بعينيها الساحرتين من وراء النقاب، وأنا أحسبني أغازل صناعة السيف، أو أغازل صناعة المنجل والمحراث ...
حادث مع قومندان الإنجليز
كانت لعبة الجيوش في أواخر القرن التاسع عشر لعبة الأطفال المفضلة في أسوان، وكانت دروب المدينة وحيشان المدارس والمكاتب ميادين قتال لا ينتهي بين جيش مصر وجيش السودان وجيش الدراويش وجيش الترك وجيش الإنجليز ... وكلهم بين قادة وجنود من صغار الأطفال الذين لا يجاوزون العاشرة؛ لأن المسألة كانت جدا - ولم تكن لعبا فحسب - مع الأطفال في هذه السن على الخصوص؛ إذ كانوا يسمعون أن الدراويش إذا دخلوا قرية قتلوا رجالها، وسبوا نساءها، وحملوا أطفالها مطعونين على أسنة الحراب، فلا جرم تشغلهم هذه الحرب عن كل شاغل من شواغل الخطر والخوف، فضلا عن شواغل الألعاب ...
ومما أتمثله أمامي حتى الساعة، وأبتسم له كلما تمثلته: منظر زميلنا المقدام «عبد المعطي فرج» قائد الجيش السوداني المغير على مكتب «القومندان» في المعسكر الإنجليزي، وهو يصيح وأذنه في يد القومندان الجبار: «مش أنا يا عمي ... مش أنا والله يا مستر ...» ويكاد القومندان يقهقه وهو يدفعه إلى الخارج، ويزجره قائلا: «سأعلمك كيف تنط يا خنزير!»
অজানা পৃষ্ঠা