65

হায়াত মাসিহ

حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث

জনগুলি

وراح يجبه فطاحل العلماء التياهين بما علموه وحفظوا وتفننوا فيه من ألغاز الفقه وأحاجي الشريعة، فقال لهم: «إن الدين بما تعمل لا بما تعلم.» حذر أتباعه ومريديه أن يقتدوا بهم في عملهم، وأن يدعوا مثل دعواهم: «لأنهم يحزمون الأوقار، ويسومون الناس أن يحملوها على عواتقهم، ولا يمدون إليها أصبعا يزحزحونها، وإنما يعملون عملهم كله لينظر الناس إليهم، يعرضون عصائبهم، ويطيلون أهداب ثيابهم، ويستأثرون بالمتكأ الأول في الولائم والمجالس الأولى في المجامع، ويبتغون التحيات في الأسواق، وأن يقال لهم: «سيدي!» «سيدي!» حيث يذهبون ...»

ثم يهتف بأولئك المنافقين التياهين: «أيها القادة العميان الذين يحاسبون على البعوضة ويبتلعون الجمل، إنكم تنفقون ظاهر الكأس والصحفة، وهما في الباطن مترعان بالرجس والدعارة، ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون! إنكم كالقبور المبيضة، خارجها طلاء جميل، وداخلها عظام نخرة.»

ولما تعالموا عليه بالأسئلة عن أسرار الكتب وألغاز الفرائض والوصايا، وسألوه: أيهما أعظم في الناموس؟ حسبوا أنه سينقب بين السطور، ويطيل البحث بين الأسرار والألغاز، ولكنه ترك السطور والنصوص، وجمع لهم الدين كله والكتب جميعا في كلمات معدودات: «أن تحب ربك بجماع قلبك، ومن كل نفسك وفكرك، وأن تحب رقيبك كما تحب نفسك.»

هذا كل ما يلزم العابد الصالح أن يحتقبه من القماطر والأوراق، ولا تكون العقبى أنه يهدر الفرائض والأحكام، وأنه يستبيح ما لا يباح، بل لعله يتشدد حيث يترخص النصوصيون والحرفيون، كما يتشدد الإنسان حيث يحاسب ضميره، ويصنع في سبيل الحب ما لا يصنعه في سبيل الواجب، وكل ما هنالك أن تصبح الفضيلة وحي نفس، وحساب ضمير، ولا يصبح قصاراها وحي القانون، وحساب الصكوك والشروط، وأساليب الروغان من بين السطور والحروف.

لا جرم كانت شريعة الحب والضمير أشد وأحرج من شريعة الظواهر والأشكال؛ لأن الضمير موكل بالنيات والخواطر قبل الأفعال والوقائع، ولأنه يحاسب صاحبه على همساته ووساوسه، ولا يتركه حتى يعمل ما يضر أو يسوء. «قيل للقدماء: لا تقتل، ومن يقتل وجب عليه العقاب. أما أنا فأقول لكم: إن من يغضب على أخيه باطلا يأثم ويجزى ... فإن قدمت قربانك وذكرت حقا لأخيك عليك، فدع قربانك أمام المذبح، واذهب قبل فصالح أخاك.» «وقيل للقدماء: لا تزن. أما أنا فأقول لكم: إن من ينظر إلى امرأة فيشتهيها فقد زنى بها في قلبه، فإن كانت عينك اليمنى تلقي بك في العثرات فاقلعها، وألقها عنك، فخير لك أن يهلك عضو لك من أن تهلك كلك.» «وقيل للقدماء: لا تحنث. وأما أنا فأقول لكم: لا تحلفوا، وليكن كلامكم كله: نعم نعم، لا لا، وما زاد على ذلك فهو من الشيطان.» «وسمعتم أنه قيل: عين بعين، وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم: لا تقابلوا الشر بالشر ، ومن لطمك على خدك الأيمن فحول له الأيسر، ومن سخرك ميلا واحدا، فاذهب معه ميلين.» «وسمعتم أنه قيل: تحب قريبك، وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وادعوا لمن يسيء إليكم ويطردكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فإنه يطلع شمسه على الأشرار والصالحين، ويرسل غيثه للأبرار والظالمين. وأي أجر لكم إن أحببتم من يحبونكم، أليس العشارون يفعلون ذلك؟ فتعلقوا أنتم بالكمال، فإن الله كامل، يحب الكمال.»

هذه شريعة تهدم كل عرف قائم، وتعصف بكل شكل ظاهر، ولكنها لا تهدم الناموس، ولا تعصف بركن من أركانه، وقد تزيد فرائضه، ولا تنقص حرفا منها، حيث تنقلها من الأوراق ومناظر العيان إلى الضمائر والقلوب؛ لأن الإنسان يحاسب نفسه إذا أحب حسابا لا تدركه الشرائع، ولا يطلع عليه القضاء.

وقد كان المصطدم بين الشريعتين حيث يتوقع وكما يتوقع، وكان السجال بينهما هو السجال الذي تمليه شريعة الحب والضمير، وشريعة الظواهر والأشكال، ولم تسقط من ذلك السجال كلمة كانت منظورة من دعاة الرياء والكبرياء، ولم يكن الجواب على كلمة منه عرضا غير مقصود في وجهته، أو جزافا يقوله كل قائل ويأتي لغير مناسبة، ومن ثم نقول إن الشخصية التاريخية والدعوة المتناسقة لم تثبتا ببرهان أصدق من هذا البرهان، وإن المصطدم بين الشريعتين لا يختلقه المختلق إن شاء؛ لأنه من وراء طاقة المختلق أن يلحق بطبيعة الشريعتين: شريعة الحب والضمير، وشريعة الرياء والكبرياء، ويدفع بهما حيث تندفعان، ويملي عليهما ما تسألان عنه، وما تجيبان.

تلك معالم واضحة، ومقاصد بينة معروفة المنحى، فإذا وقع اللبس مرة فليس أيسر من الحسم في مواضع اللبس على ذوي النية الحسنة، فكل ما وافق شريعة الحب والضمير وخالف شريعة الظواهر والأشكال فهو هنا، وكل ما مشى في سبيل الظواهر والأشكال وأعرض عن سبيل الحب والضمير فهو هناك، ولن يطول اللبس في معنى من معاني السيد المسيح إلا على عباد الألفاظ والنصوص، وليس من الإنصاف ولا من حسن الفهم أن تحكم الألفاظ والنصوص في الدعوة التي تزدريها وترجع بكل شيء إلى مقاصد الحب والضمير، ذلك كما قال السيد المسيح هو وضع الخمر الجديدة في الزق القديم، أو وضع الرقعة القشيبة على الثوب الرديم.

آداب حياة

كان «أوريجين» فيلسوفا ملحوظ المكانة في تاريخ الفلسفة والديانة المسيحية، ويرى الكثيرون أنه أكبر المفكرين الدينيين الذين نبغوا بين القرن الثاني والقرن الثالث للميلاد، ومن لم يره كذلك فلا خلاف عنده في حسبانه بين ثلاثة أو أربعة من كبار المفكرين في عصره، غير مستثنى منهم أساتذته الأولون.

অজানা পৃষ্ঠা