47

হায়াত মাসিহ

حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث

জনগুলি

إن أعمال أصحاب الرسالات لا تفهم على حقيقتها ما لم نفهم معها هذه القاعدة الأساسية في طبيعة الرسل، وهي أن الشك أخوف ما يخافونه، وأن استبقاء الإيمان غاية ما يبتغونه، وكثيرا ما يقدمون على جسام الأمور؛ لأن التسليم أقرب إلى الإيمان، ولأن الإحجام شك، أو انتظار برهان، والشك وانتظار البرهان يستويان في بعض الأحيان.

وقد تواترت الروايات على أن السيد المسيح كان يبتهل إلى الله في أخريات رسالته قائلا: «اللهم جنبني هذه الكأس، لكن كما تريد أنت لا كما أريد.»

وفي هذا الابتهال مفتاح كل عمل أقدم عليه بعد ذلك، أو أقدم عليه في مثل هذا الموقف فإنه لم يتجنب الكأس كما يريد، بل ترك لله أن يجنبه إياها كما أراد، وموضع الشبهة في نفسه الشريفة أن السلامة هي ما يريده، وأن النكول هو طريقه إلى اجتناب الكأس، فليكن مسيره إذن في غير هذه الطريق، ولكن التسليم هو طريق الإيمان.

الباب الرابع

الدعوة

دعوة المسيحية

تواريخ الأديان جميعا تثبت الحقيقة الواضحة التي لا مغزى لكتابة التواريخ مع الشك فيها، ونعني بالحقيقة الواضحة اطراد السنن الكونية في الحوادث الإنسانية الكبرى، فلا يحدث طور من أطوار الدين أو الدنيا إلا سبقته مقدماته التي تمهد لحدوثه، وجاء سريانه في العالم على وفاق لوازمه ودواعيه.

وليست المسيحية شذوذا عن هذه القاعدة، بل هي من أقوى الظواهر التي تؤيدها وتسري في مسراها، وسنراها، وسنرى بعد الإحاطة بالفصول السابقة، والفصول التالية أن الصلة لم تنقطع كل الانقطاع بين العصرين، وأن العصر القديم كان يلتفت بنظره شيئا فشيئا إلى وجه العصر الحديث، وسنرى غير مرة في هذا الكتاب أن الدعوة المسيحية جاءت في إبانها وفاقا لمطالب زمانها.

وليس أقرب إلى جلاء هذه الحقيقة من تلخيص صورة العصر كله في كلمات معدودات نحصر بها آفاته البارزة، ونهتدي بهذه الآفات إلى علاجها الموكول إلى العقيدة.

فما هي آفة العصر التي برزت في التاريخ، واتفقت عليها أوصاف المؤرخين الذين توقعوا الانقلاب فيه من طريق الدين، أو من غير طريق الدين؟

অজানা পৃষ্ঠা