হায়াত মাসিহ
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
জনগুলি
ولكن الأغلب مع هذا أنهم كانوا يرتادون الخلوات، وينقطعون في جوانب الأنهار «عند نهر خابور انفتحت فرأيت رؤى الله» (حزقيال).
ولا يمتنع عندهم أن يلهم الله بالرؤيا الصالحة أو الدليل البين إنسانا من غير الأنبياء، ومن غير شعب إسرائيل، كما ألهم أبيمالك وبلعام، ولكنهم يلهمون ليعرفوا بأنفسهم حق الأنبياء والمرسلين.
وكان الغالب على سامعي النبوءات أن يطلبوا آية يعلمون بها أن المتكلم ينطق بوحي من الله، ولكن طلب الآية لم يكن عندهم دليلا على اليقين والإيمان، وربما أذن للنبي أن يطلب الآية، ويمعن في طلبها، فنرى من الأدب ألا يجرب ربه بدليل هذه الآيات (7 أشعيا).
على أنهم كانوا يلجئون إلى الأنبياء يستشيرونهم قبل الحرب، أو الرحلة، أو الإقامة؛ لعلمهم أنهم أقرب إلى الله، وأدنى أن يطلعوا على الغيب المحجوب عن أنظار الدنيويين المنغمسين في هموم الحياة، ومن هؤلاء الأنبياء من كان يستمع الوحي صوتا عاليا، ومن كان يحسه إلهاما، أو هدية، أو رؤيا صالحة، وغالبا ما كانوا يقصرون رسالتهم على النذير بالعقاب كلما خرج الشعب على الأقدمين وانحرف عن سواء العبادة كما تلقاها آباؤهم من الأنبياء السابقين، فلم تكن النبوءة اقتحاما ولا بدعة مستغربة، ولم يكن فيها خطر على النبي إلا حين يتصدى للملوك والأمراء، فيأخذ عليهم مخالفة الشريعة، أو مخالفة المأثور عن السلف، ومن هؤلاء الملوك والأمراء من كان يعمد إلى التنكيل بالنبي في هذه الحالة؛ ليثبت للناس كذبه وأنه لم يأت من عند الله، إذ كان موت النبي الكاذب إحدى العلامات على بطلان دعواه.
ولعلنا نصف الحالة حق وصفها حين نقول: إن القوم كانوا يبحثون عن الأنبياء، ويترقبونهم، ولا يعتبرون ظهورهم خارقة يستهولونها، أو يستغربون تكرارها، وأن الإنسان المتهيئ للنبوءة كان يخشى أن يسكت عن الدعوة متى جاشت ضمائره بحوافزها، وألحت عليه أياما بعد أيام، حتى يصبح السكوت في حكم سريرته عصيانا لأمر الله ونكولا عن إرادته، ومتى استقر في سريرته أن طلب الآية تجربة لله، وضعف في الإيمان، فأسلم الأمور عنده حيث تجيش نفسه بروح الله أن ينذر ويبشر، وعلى الله بعد ذلك أن يثبت نبوءته، وأن يهديه ويهدي الناس إليه كما يشاء.
وفي عصر الميلاد، ذلك العصر الذي ترقبت فيه النفوس بشائر الدعوة الإلهية من كل جانب، كما يترقب الراصدون كوكبا حان موعد طلوعه؛ لا جرم تتفتح الآذان لصوت المبشر الموعود، ولا جرم كذلك أن يكون البرهان المطلوب منه على قدر الرجاء في الخير المنتظر، وأن يمتحنه الناس، فيعسروا غاية العسر في امتحانه، خوفا من سهولة الدعوى على الأدعياء، وخوفا من بطلان الرجاء في إبان اللهفة على الرجاء، فهو رجاء عظيم يعلقه المرتجون على برهان عظيم.
الطوائف اليهودية في عصر الميلاد
كان العالم اليهودي في العصر الذي ولد فيه السيد المسيح يشتمل على طوائف مختلفة، لكل منها مذهبه في انتظار المسيح المخلص الموعود.
والتعريف بهذه الطوائف ضروري لتقرير مكان العقيدة الجديدة بين العقائد التي سبقتها في بيئات بني إسرائيل.
وضروري من جهة أخرى؛ لأنه - فيما نرى - أقوى دليل يرد به على الناقدين المحدثين الذين ظهروا منذ القرن الثامن عشر، وجمحت بهم شهوة النقد والتشكيك، حتى جازوا الشك في النصوص والروايات، إلى الشك في وجود السيد المسيح نفسه، كأنه في زعمهم شخصية من شخصيات الأساطير، وتسقط دعوى هؤلاء الناقدين بمجرد الإحاطة بأصول المذاهب التي كانت معروفة في عصر الميلاد؛ لأن الدعوة المسيحية كانت تعديلا لكل مذهب من هذه المذاهب في ناحية من نواحيه، وكانت هذه التعديلات في جملتها تثوب إلى وحدة متماسكة من القواعد والمثل العليا، لا بد لها من «شخصية» مستقلة عن هذه المذاهب جميعا، قادرة على عرض شعائرها وعقائدها على محك واحد متناسق الفكر والإيمان.
অজানা পৃষ্ঠা