নতুন বিশ্বে চিন্তার জীবন
حياة الفكر في العالم الجديد
জনগুলি
ويطبق «جفرسن» نظرية الحقوق الطبيعية على الأجيال تطبيقها على الأفراد سواء بسواء، معارضا بذلك كثيرين من مفكري عصره في أوروبا، نخص بالذكر من هؤلاء «أدمند بيرك» (1729-1797م) فمن رأي هؤلاء أن حياة الأمة تمتد ما امتد الزمن، وبذلك وجب على الأجيال القادمة أن ترتبط بفعل الأجيال السابقة، فيعارض «جفرسن» هذا المبدأ، جاعلا لكل جيل الحق في تغيير ما قررته الأجيال السابقة بأفعالها أو أقوالها؛ لأنه لو أخذنا بمبدأ اشتراك الأجيال السابقة في تقرير حقوق الجيل القائم، ترتب على ذلك أن تكون الأرض ملكا للأموات لا ملكا للأحياء الذين يفلحونها ويعيشون عليها.
الأفراد القائمون الأحياء هم أصحاب الحق في تقرير مصائرهم، وفي اختيار حكومتهم، إن لم يكن كل فرد بذاته، فبالإنابة، وهنا تختلف الديمقراطية الحديثة عن الديمقراطية القديمة - كما كانت عند اليونان مثلا - إذ كان الفرد في الديمقراطية اليونانية يمثل نفسه، وكان ذلك ممكنا حين كانت الدولة مدينة واحدة يمكن لأفرادها الراشدين أن يجتمعوا في صعيد واحد، أما وقد تناءت أطراف الوطن الواحد في العصور الحديثة، واستحال أن يجتمع الأفراد جميعا ، كان التمثيل بإنابة أفراد عن أفراد، وعلى كل حال، فالحكومة تكون على أكمل حالاتها حين تحصر نشاطها في أقل حد ممكن. (2)
أما الحرية الدينية فتنبني - في رأي «جفرسن» - على أن الحرية هي حق طبيعي للإنسان، فكما أنه لا يجوز أن يستبد بها حاكم سياسي، فكذلك لا يجوز أن تنتقص منها هيئة دينية، والذكاء الفطري عند الإنسان - إذا لم تعطله العوامل الخارجية من دولة أو كنيسة - كاف وحده أن يهدي الإنسان في مشكلاته الدينية، دون أن يكون في ذلك بحاجة إلى كنيسة تمسك بزمامه، فحسب الإنسان - في الرأي السياسي وفي العقيدة الدينية على السواء - أن يرضي ضميره، وقد جاهد «جفرسن» وهو حاكم لولايته - ولاية فرجينيا - في سبيل تقرير الحرية الدينية لأفراد ولايته على النحو الذي يراه حقا لكل إنسان؛ لذلك سن قانونا يحقق للناس هذه الحرية التي أرادها لهم في عقائدهم، وكانت عبارة الاستهلال في هذه الوثيقة هي ما يأتي: «لما كنت على يقين من أن الله تعالى قد خلق عقل الإنسان حرا ...» فإذا سلمنا بأن حرية العقل هي جزء من طبيعته كما خلقها الله، امتنع أن يكون لأي إنسان أن يضع ما يقيد الفرد في استخدامه لعقله، فلا الحكومة ولا الكنيسة لها أن تقيم الحواجز أمام الحرية العقلية عند الفرد إلا إذا كانت حرية تفكيره مؤدية إلى إيذاء الآخرين وإلى الحد من حرية التفكير عندهم «غير أني لا أنزل بجاري أذى إذا قلت إن في الكون عشرين إلها، أو قلت أن ليس هنالك إله؛ لأن مثل هذا القول لا يسلبه مالا، ولا يكسر له ساقا.» وإذن فليس من حق الحكومة أو الكنيسة أن ترغم أحدا على عقيدة دينية معينة، أو أن تضطهد إنسانا بسبب عقيدته، بل الأمر على نقيض ذلك، فواجب الحكومة هو أن تهيئ الظروف التي تمكن الناس جميعا من حرية التعبير عن آرائهم الدينية، ومن تأييد تلك الآراء بكل ما يستطيعون من حجة، دون أن تتأثر بذلك حقوقهم المدنية. (3)
عقل الفرد - إذن - هو مرجعه الوحيد في السياسة وفي الدين، لا سلطان عليه في ذلك من حكومة أو من كنيسة، فإذا قيل إن من الأفراد من ليست لهم هذه القدرة العقلية المؤتمنة على هداية صاحبها طريق الصواب، كان الرد على ذلك هو ضرورة تعليمهم لا التسليم بعجزهم، ومن هنا تنشأ عند «جفرسن» عقيدته في وجوب تعميم التعليم بين الناس؛ لتمكينهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية في تقرير مصائرهم بأنفسهم، ومع ذلك فالتاريخ - تاريخ الملوك بصفة خاصة - شاهد على أن خطأ الشعب مهما يكن ناقصا في تعليمه ليس أفدح خطرا من خطأ الحكومات الوزارية والملوك، فليس هناك الأسرة الملكية التي أنجبت أكثر من رجل واحد ذي إدراك سليم في كل عشرين جيلا، والملوك هم على أفضل حالاتهم حين يتركون الأمر في أيدي وزرائهم، لكن من هم هؤلاء الوزراء إن لم يكونوا جماعة أسيء اختيار أفرادها؟ فإذا تدخل الملك في عمل الوزراء كان ذلك ليزيد الأمر سوءا على سوء.
إن «جفرسن» لا يريد بهذا كله أن يدعي بأن الناس متساوون في قدراتهم العقلية؛ إذ لا شك أنهم في ذلك يتفاوتون، لكن علينا أن نهيئ أمام الجميع فرصا متساوية في التعليم، وللنابغ بعد ذلك أن ينبغ، وللمتخلف أن يتخلف، فلكل طفل الحق في فرصة تعادل فرصة زميله، بحيث تنمو مواهبه إلى أقصى حد مستطاع، بغض النظر عن حالته المالية من فقر أو غنى، فلا يجوز أن يكون التعليم حقا للأغنياء وحدهم، وبهذا التعليم العام الذي لا يفرق بين فرد وفرد، سيظهر في كل جيل قادته الجديرون بقيادته، وإذا شئت فقل عن هؤلاء القادة إنها الصفوة، أو هي «الأرستقراطية»، لكنها عندئذ تكون أرستقراطية المواهب، لا أرستقراطية الحسب والمال والجاه، وعلى هذا الأساس أقام أسس التعليم في ولاية فرجينيا - وهي وطنه - حين كان حاكما لها، وأنشأ جامعة فرجينيا.
جهاد في سبيل الحرية العقلية، هذا هو ما عاهد الله - كما قال - على أن ينفق حياته فيه: حرية العقل في الفكر السياسي، وقد عبر عنها في «إعلان الاستقلال» الذي صاغ عبارته، وحرية العقل في العقيدة الدينية، وقد عبر عنها في القانون الذي وضعه في ذلك لولاية فرجينيا، وحرية العقل في التعليم، وقد عبر عنها في إنشائه لجامعة فرجينيا، ومن هذا كله نعلم لماذا - حين سئل في أخريات سنيه: ماذا يريد أن يكتبوا له على شاهد قبره من بين أعماله الكثيرة التي زخرت بها حياته الحافلة المجاهدة المكافحة؟ قال: اكتبوا ثلاثة أشياء: إعلان الاستقلال، وقانون الحرية الدينية، وجامعة فرجينيا؛ فبالأول يزول استبداد الحكومة، وبالثاني يتحرر العقل من سلطان الكنيسة، وبالثالث تصان الحرية التي يكتسبها الناس في السياسة والدين. (3) «تومس بين» والإيمان بالعقل
إنه لو جاز لنا أن نختار رجلا واحدا من رجال «التنوير» في الولايات المتحدة إبان ثورتها في سبيل استقلالها، نقول عنه إنه اللسان المعبر عن الحركة كلها، على الرغم من كثرة من ناصروها وأشاعوا مبادئها؛ لكان هذا الرجل الواحد هو «تومس بين» لما حباه الله من قدرة أدبية في عرض أفكاره، التي هي في جوهرها أفكار العصر كله في أمريكا وفي أوروبا على السواء، بحيث استطاع بجمال أسلوبه وصفاء عبارته أن يلتمس طريقه إلى قلوب الناس وعقولهم على نطاق أوسع جدا مما كانت تكون عليه الحال لو اقتصرت تلك الأفكار على صياغة فلسفية لا يسهل فهمها وقبولها عند أوساط الناس، فليس فيما قاله «بين» من جديد إلا طريقة العرض.
وتستطيع أن تلخص مبادئ حركة التنوير - في أمريكا وأوروبا - في حيز صغير، فأول ما تشير إليه الكلمة - كلمة «تنوير» - التي تركز طابع الفكر في القرن الثامن عشر، هو إشارتها إلى قدرة العقل على حل مشكلات الطبيعة والإنسان، بحيث لا يعود الناس بحاجة إلى مصادر أخرى غير عقولهم تعينهم على تفهم ما يريدون أن يتفهموه، وكان طبيعيا أن يشتد إيمان الناس إذ ذاك بعقولهم بعد ما شهدوه من غزارة الإنتاج العلمي الذي تراكمت آثاره خلال القرنين السابقين لعصرهم، وهما القرن السادس عشر والسابع عشر، فإن كان العقل قد استطاع أن يكشف في هذه الفترة القصيرة عن هذه الأسرار الطبيعية كلها، أفلا يستطيع على مر الزمن أن يكشف الغطاء عن سر الحقيقة كلها؟ إنه لا حدود للعقل تلزمه بالوقوف عندها؛ فيكفيه أن يهتدي إلى المبادئ الأولية، وله بعد ذلك أن يستخدم المنهج الرياضي في استنباط ما لا نهاية له، ولا حصر من النتائج التي تترتب على تلك المبادئ. فإن استغنى الإنسان بعقله عن كل معونة تأتيه مما وراء الطبيعة، إذن فليتحول باهتمامه كله من السماء إلى الأرض، حيث يعيش الإنسان، فسعادة الإنسان هي وحدها الهدف الذي يجدر بنا أن نستهدفه، ونعيم الآخرة هو النعيم الذي نهيئ أسبابه للأجيال المقبلة، والنجاة المنشودة ليست هي النجاة من خطيئة آدم، بل هي النجاة بالإنسان مما هو فيه من جهل واستعباد.
اهتم «تومس بين» بالعلم الطبيعي ونتائجه - نظرا وتطبيقا - ولما كان من أهم النتائج التي تترتب على طبيعة نيوتن الاعتقاد في اطراد ظواهر الطبيعة اطرادا يمكننا من الكشف عن قوانينها؛ وبالتالي إمكان التنبؤ بما سيحدث قبل حدوثه؛ فقد رأى «بين» أن الاحتكام إلى الطبيعة هو خير معين لنا على فهم عالمنا الذي نعيش فيه، وما الطبيعة إلا قوانينها التي فرضها الله على المادة لتسير بمقتضاها، وإن شئت فقل هي القوانين التي يحكم الله بها ملكوته، فليس الاطراد في حدوث الحوادث - الذي هو القوانين الطبيعية - من خلق العلم واختراعه، فالعلم لم يصنع شيئا ولم يضف شيئا؛ إذ الطبيعة بنظامها واتساقها واطرادها هناك، ومهمة العقل أن يعلن عنها، وهل خلق نيوتن قانون الجاذبية من عدم؟ أم هو طريقة الله في تسيير أجزاء الكون، كانت قائمة ثم انكشف عنها الغطاء؟
ونخطو بعد ذلك خطوة، فنقول: إن اطراد القوانين الطبيعية ليس هو طريقة الله في تسييره لأجزاء الكون فحسب، بل إن ما لا يدل على مثل هذا الاطراد والنظام والاتساق لا يكون من صنع الله؛ ومن ثم لا يجوز لنا قبول ما يسمونه بالمعجزات، فماذا تكون «المعجزة» إذا لم تكن هي الحادثة التي تحدث على غير ما تستوجبه قوانين الطبيعة؟ وإنه لمما يلفت النظر أننا دائما حين نقبل معجزة على أنها وقعت، لا نعتمد في هذا القبول على مشاهداتنا الخاصة، بل ننقل عما شهد به سوانا وليس معنى ذلك إلا أننا - إذا نحن آمنا بوقوع المعجزة - قد انتقلنا بالإيمان من إيمان بالله إلى إيمان بهذا الشاهد الذي نقلنا عنه نبأ المعجزة التي قيل إنها وقعت، الإيمان بالله هو إيمان بنظامه في كونه، والإيمان بالمعجزة هو إيمان بأن ذلك النظام قد اختل اطراده وأصابته فوضى، وإذا قرأنا عن معجزة فعلينا أن نسأل أنفسنا: أيهما أرجح، أن تكون الطبيعة قد ضلت سبيلها المعتاد، أم أن يكون الإنسان (الذي شاهد) قد ضل طريق الصواب؟ إن أحدا منا لم يشهد قط في غضون حياته خروج الطبيعة عن مجراها، لكننا في الوقت نفسه نسمح بأكاذيب كثيرة في هذا الصدد، فاحتمال أن يكون الشاهد قد أخطأ الشهادة أرجح جدا من احتمال أن تكون المعجزة المزعومة قد وقعت.
অজানা পৃষ্ঠা