নতুন বিশ্বে চিন্তার জীবন
حياة الفكر في العالم الجديد
জনগুলি
وكذلك قد ينشأ الخلاف بين متنازعين على ما ليس له معنى على الإطلاق، حين يكون الحكم في المعنى على النتائج العملية التي تقع في خبراتنا، فافرض - مثلا - أني قلت لزميلي إن «أرواحا» تسكن هذه الغرفة، ونفى زميلي هذا القول، فما هي النتائج العملية التي تكون في خبرتي ولا تكون في خبرته بناء على إثباتي لشيء هو ينفيه؟ لا شيء؛ لن أمسك بيدي ما لا يستطيع هو أن يمسكه، ولن أرى بعيني ما لا يستطيع هو أن يراه، ولن أشم ولن أسمع ما لا يستطيع أن يشمه أو يسمعه، لو اختلفنا على وجود خيط مشدود فوق أرض الغرفة بين الجدارين المتقابلين، فأنا أزعم وجوده وهو ينفي، لكان هنالك اختلاف في السلوك المترتب على عقيدتي وعقيدته؛ فقد أخطو فوق الخيط محاولا ألا أتعثر فيه لعلمي بوجوده، وقد لا يحسب هو حسابا لذلك فيتعثر ويقع، ها هنا اختلاف في النتائج العملية، وهو الذي يدل على أن كلامي وكلامه كان لهما «معنى»، وهكذا قل في كل عبارة نقولها، فهي بغير معنى ما لم يترتب عليها نتيجة أو نتائج في خبراتنا البشرية العملية، وهذه النتائج هي وحدها معنى العبارة الذي لا معنى لها سواه، ومن التناقض أن تقول عن جملة - كائنة ما كانت - إنك قد فهمت معناها ولو أنها لا تغير شيئا من خبرتك السلوكية بين حالتي نفيها وإثباتها.
إلى هنا يتفق «جيمس» مع «بيرس»، لكن «جيمس» يختلف عن «بيرس» في المزاج؛ وبالتالي فهو يستطرد في النظرية استطرادا يختلف به عن «بيرس»، وحين أقول هنا إن اختلافهما في «المزاج» قد أدى إلى اختلافهما في الرأي، فإنما أستخدم نظرية ل «جيمس» نفسه، حين قال إن الناس نوعان؛ ففريق ذو عقل «ناشف» أو «صلب»، وفريق آخر ذو عقل «لين» أو «رخو»، العقل الأول معاند والعقل الآخر مطاوع، وبين الفلاسفة هذا الاختلاف نفسه، فالفلاسفة أصحاب العقول اللينة أو المطاوعة هم العقليون المثاليون المتفائلون المتدينون الواحديون الاعتقاديون القائلون بالإرادة الحرة، وأما الفلاسفة أصحاب العقول الناشفة أو المعاندة فهم التجريبيون الماديون المتشائمون الآخذون بشهادة الحواس وحدها، العازفون عن الدين، المتشككون، القائلون بأن العالم كثرة لا واحد، وقد كان «بيرس» من أصحاب العقول الناشفة المعاندة، أما «جيمس» فقد جمع الطرفين في شخصه؛ إذ كان في طبيعته جانب العالم وجانب الفنان في آن واحد؛ ولذلك تراه في بعض نواحيه من أصحاب العقول المعاندة، ذلك حين يحتكم إلى التجربة والحس وما إلى ذلك، لكنه في نواحيه الأخرى ذو عقل لين مطاوع، ومن هذه النواحي رأيه في الدين وفي وجود الله، وهنا أحد مواضع الاختلاف بينه وبين «بيرس» في نظرية المعنى؛ فبينما يتفق الاثنان على أن الجملة لا تكون ذات معنى إلا بمقدار ما لها من نتائج عملية تقع في خبراتنا البشرية، ترى «جيمس» يستطرد بالنظرية فيخرج بها عن حدودها، إذ يجعل أن جملة مثل «الله موجود» ذات معنى، وشرح ذلك عنده كما يأتي: إن وجود الله يستحيل بالطبع إثباته إذا احتكمنا إلى خبراتنا العملية؛ لأننا لا نراه ولا نسمعه ولا نمسه، وإذن فلا يجوز أن يكون ذلك طريق إثباته، ومع ذلك فهنالك طريق غير مباشر إلى إثبات المعنى لهذه الجملة إذا رجعنا في ذلك لا إلى النتائج الحسية المباشرة، بل إلى النتائج العامة التي تحدث في وجهة نظر المؤمن بصدقها، فالذي يؤمن بأن الله موجود يختلف شعوره في حياته عمن لا يؤمن بذلك، فتراه مثلا متفائلا قوي الرجاء؛ وبالتالي فهو مستبشر بحياته فرح مطمئن، على خلاف زميله المنكر؛ إذ يغلب أن يكون هذا متشائما منقبض النفس معدوم الرجاء والأمل، وهذا الاختلاف في وجهة النظر كاف وحده أن يجعل للجملة معنى لما لها من نتائج.
ولا يسوق «جيمس» هذا المثل جزافا، بل يجعله تطبيقا لمبدأ عام، نلخصه فيما يلي: هنالك حالات تقطع فيها الشهادة بالصواب أو بالخطأ، وعندئذ لا إشكال في قبولها أو رفضها، لكن هنالك أيضا حالات كثيرة جدا تمتنع فيها هذه الشهادة الحاسمة، فماذا يكون موقفنا إزاءها؟ يرى «جيمس» أنه في مثل هذه الحالات نأخذ «بأنفع» الفروض، ويكون النفع هنا هو هو بعينه صدق الفرض الذي أخذنا به، فانظر إلى هذا السؤال مثلا: هل الحياة تستحق منا أن نحياها؟ إننا لا نملك ما يعيننا على الإجابة الحاسمة عن مثل هذا السؤال، فسواء أجبت بالإيجاب أو بالنفي، جاز لمعارضك أن يسألك لماذا كان الإيجاب أو كان النفي، دون أن تجد ما تقنعه به، فليس محالا على إنسان أن يرى لنفسه أن الحياة لا تستحق منه أن يحياها، والعجيب أن مثل هذا المتشائم قد ينتهي به رأيه هذا في حياته إلى نوع من الحياة هو بالفعل لا يكون جديرا بالعناية أو الرعاية، ومن جهة أخرى قد تجد من يقنع نفسه بأن الحياة تستحق أن يحياها، وتراه بفضل قراره هذا يجعل حياته بالفعل حياة جديرة بالعيش، وهكذا ترى أن الاعتقاد بالصواب في مثل هذه الحالة قد خلق الصواب فعلا، فيكفي أن تأخذ بوجهة نظر معينة - في أمثال هذه الحالات التي يمتنع فيها القطع بصواب أو بخطأ - لتحدث لك هذه الوجهة من النظر نتائج عملية في حياتك تجعل رأيك صوابا، هذه هي النظرية التي يعرضها «جيمس» في مقالته المشهورة التي عنوانها «إرادة الاعتقاد»، وهو يقصد من العنوان نفسه أن الاعتقاد في الحالات التي لا تحسم فيها الشواهد، إنما يتوقف على إرادة الإنسان المعتقد، فاعتقد - إن شئت - وسيكون لعقيدتك أثرها في حياتك؛ وبالتالي ستكون عقيدة ذات معنى ومغزى ودلالة حكما بمقياس البراجماتية نفسها.
وهذا ينتقل بنا إلى نظرية «جيمس» في الحق، أو في الصدق، صدق العبارة التي نقولها، فمتى تكون العبارة صادقة؟ يجيب «جيمس» بأنها تكون كذلك إذا تصرفت على أساسها فلم تجد ما يعترض غايتك، فالصدق أو الحق هو هداية في السلوك لا أكثر ولا أقل، ألم نقل إن «المعنى» - مهما كانت الكلمة أو الجملة - هو ما ترتب على الكلمة أو الجملة من نتائج؟ وكلمة «الحق» أو «الصدق» لا تشذ عن هذه القاعدة العامة، معناها هو نتائجها، فكل ما يؤدي إلى النتائج المرجوة «حق»، وكل ما لا يؤدي إلى مثل هذه النتائج «باطل»، الأمر في ذلك شأنه شأن الفروض العلمية نفسها، فكيف يقرر العالم في معمله أن فرضا ما صحيح؟ يقرر ذلك بعد أن يرى النتائج التي تنتج عن الفرض، فإذا وجده مطابقا في نتائجه تلك لكل وقائع الظاهرة التي جاء الفرض ليفسرها، كان عنده فرضا صحيحا وإلا فهو باطل، فهكذا الأمر في كل عبارة نقولها، هي بمثابة فرض علمي نفرضه، ويكون تحقيقه مرهونا بانطباقه على الواقع، وليس في طبيعته شيء يجعله صوابا أو خطأ غير نجاحه أو فشله في تفسير الواقع.
وهذا القول نفسه يمكن التعبير عنه - كما عبر عنه جيمس - بعبارة أخرى، فنقول: إن الحق هو ما كان الاعتقاد فيه أفضل من إنكاره، أفضل بالنسبة إلى طرائق سلوكنا في الحياة العملية الواقعة، «الحق» أو «الصدق» هو ما تسلك على مقتضاه فلا تجد من الحوادث ما يعترض سبيلك أو يناقض اعتقادك، «الحق» أو «الصدق» هو ما ينجح من حيث الثمرة العملية التي يثمرها العمل بمقتضاه، ليس «الحق» صفة آسنة راكدة لاصقة بالعبارة التي نصفها بهذا الوصف، بل هو قابلية العبارة لأن تكون أداة للسلوك وخطة للعمل، فإن كان فيها ما يهدينا إلى العمل الناجح فهي «حق» وإلا فهي باطل، ومن هنا قال «جيمس»: إن «الحق» أو «الصدق» لا يكون في الجملة قبل النزول بها إلى معترك الحياة والعمل، بل هو «يطرأ» عليها عندئذ «فتصبح» حقا أو صدقا حين ألمس أثرها الناجح في ميدان السلوك، فالحوادث العملية وحدها هي التي تجعلها صادقة أو باطلة.
1
كلمة «الحق» وكلمة «النفع» مترادفتان، فنقول عن فكرة إنها نافعة لأنها حق، أو إنها حق لأنها نافعة، والقولان في المعنى سواء؛ لأنهما في النتائج العملية سواء، أو قل إن شئت أن «الحق» و«النفع» طرفان لخيط واحد، أحدهما داخل العقل والآخر خارجه، فعندما تكون الفكرة في أول سيرها نحو التحقيق، نصفها بكلمة حق، حتى إذا ما خرجت إلى عالم الخبرة عملا، وصفناها بأنها نافعة،
2
وفي هذا الصدد يقول «جيمس» تشبيهه المشهور الذي يوضح الفكرة بوضوحه، لكنه في الوقت نفسه كان موضعا سهلا للنقاد يهاجمونه منه، إذ يقول: إن الخبرة هي «القيمة الفورية»
3
অজানা পৃষ্ঠা