নতুন বিশ্বে চিন্তার জীবন
حياة الفكر في العالم الجديد
জনগুলি
لكن ذلك التفكك في معرفتي بشيء ما، إنما يأتي افتراضه من افتراض ألا عقل وراء الحواس يتلقى ما يجيء منها ليتناوله بالتنظيم والتجسيم - إن صح هذا التعبير - لو كانت حواسي وحدها هي التي تدرك البرتقالة التي أمامي - مثلا - لاقتضى ذلك أن تكون البرتقالة في ذهني أشتاتا من إحساسات: إحساس جاء عن طريق العين، وإحساس عن طريق اللسان، وثالث عن طريق الأنف، ورابع عن طريق اللمس وهكذا، لكن لا، ليس إدراكي للبرتقالة هو على هذا التفكك والتجزئة، فماذا يتناول الأشتات في داخلي ليضم بعضها إلى بعض، بحيث تتكون منها «برتقالة»؟ إنه عقلي الفاعل الذي لا يقف عند حدود القابلية لما يجيء إليه، بل هو نشيط فعال ينظم أجزاء الخبرة في تيار واحد متصل، شيء كهذا هو ما يقوله «باون»، مؤكدا لوجود الذات الإنسانية باعتبارها كائنا قائما بذاته، غير الحالات الحسية الواردة إليها من الخارج، وإذن فهنالك جانبان: الرسائل الواردة إلينا عن الأشياء المحيطة بنا، والنفس، أو الذات، أو العقل الذي ينظم هذه الرسائل في معرفة متصلة متماسكة متسقة الأجزاء، ولم يزد «باون» في هذا القول عن عقيدة رجل الشارع حين يؤمن بأن له عقلا غير المعطيات الحسية، وحين يؤمن كذلك أن هذه المعطيات الحسية - أو بمعنى آخر أفكارنا عن الأشياء الخارجية - إنما تشير إلى أصول لها في العالم الخارجي.
ولذلك فلا غرابة أن يطلق «باون» على فلسفته اسم «التجريبية المثالية»؛ لأنها في الحقيقة تؤكد الذات العارفة من جهة، لكنها تعتمد على الرسائل الحسية من جهة أخرى، وهو ما يذكرنا طبعا بفلسفة «كانت»، لولا أن «باون» يأخذ على «كانت» أنه حصر قدرة الذات العارفة على ظواهر الأشياء دون حقائقها في ذاتها، وذلك حد من قدرتها لا يرضي «باون»، فما ليس يقع في وعي ما، لا وجود له، وكل ما في الوجود من كائنات لا يخرج عن كونه إما ذاتا عارفة أو فكرة معروفة للذات.
ولولا افتراضنا لوجود ذات أو نفس في الإنسان لانفرط وجوده إلى سلسلة متتابعة من حالات لا رابط بينها، كخرزات العقد ينسل منها خيطها الرابط ، إذ ما الذي يجعل حالات الماضي جزءا مني إذا لم تكن هناك نفس تمسكها بالذاكرة لتجعلها هي والحاضر معا مكونات لشخصي؟ إنه لولا أن لي ذاتا قائمة مستمرة لما كنت اليوم نفس الشخص الذي كان بالأمس، فهذا العنصر الذي يجعل مني إنسانا واحدا خلال التغيرات هو ذاتي أو هو نفسي، لكن افتراض وجود النفس أو الذات في الإنسان لا يستدعي أن نفترض مثل ذلك في الأشياء الجوامد، فليس هناك ما يمنع من القول عن هذه المنضدة مثلا إنها حالات يأتي بعضها في إثر بعض دون أن يكون هنالك نواة عنصرية باطنية تمسك بهذه الحالات كلها لتجعل منها شيئا واحدا، وإذن ففي رأي «باون» أن افتراض وجود النفس العنصرية في الإنسان محتوم علينا لما نراه في خبراتنا من وحدة واتصال كانا يستحيلان بغير ذلك الافتراض، أما بالنسبة للأشياء فليس ثمة ما يدعو إلى ذلك.
2
لكننا مع ذلك ترانا مدفوعين دفعا إلى افتراض الوحدة الذاتية في الأشياء، فمن العسير على إدراكنا الفطري أن يعتقد بأن هذه المنضدة التي أمامي ليست هي منضدة الأمس، فما الذي يحملنا على الظن بأن الشيء يظل هو هو بعينه خلال التغيرات التي تطرأ عليه؟ يحملنا على ذلك ما نخلعه من أشخاصنا على الأشياء، ففي ذاتي وحدة تجعل من خبراتي الجزئية المفككة خبرة شخص واحد، فتراني أفترض في الشيء المادي الذي أدركه ما أراه في نفسي؛ ومن ثم يقول «باون» إنه خلال الذات يستطيع الإنسان أن يفهم الأشياء وترابطها، أرى في الأشياء فاعلية؛ لأنني أرى في ذاتي فاعلية فأعكسها على الأشياء، وأرى في الشيء الخارجي وحدة رغم تعدد ما يأتيني منه من انطباعات حسية؛ لأنني أرى في نفسي تلك الوحدة فأخلعها على الشيء الخارجي وهكذا.
ذات الإنسان الباطنية هي عالمه وهي نبراسه الذي يهتدي به في فهم الأشياء، فهي عالمه؛ لأنه يستحيل على الإنسان أن يعرف ما ليس في ذاته، وهي نبراسه؛ لأنه على مبادئ تكوينها يفهم تكوين الأشياء، لكن إذا كان ذلك كذلك، فهل نقول: إن أفراد الناس المختلفين جزر منفصل بعضها عن بعض، كل منهم محاط بجدران ذاته، ولا سبيل إلى ثغرة ينفذ منها ليتصل بفرد آخر؟ لو كان الأمر كذلك لاستحال قيام المجتمع؛ لأن المجتمع أساسه أن يتصل الأفراد بعضهم ببعض، وإذن فنحن بين أمرين: فإما أن نعترف بعنصرية الذات الفردية وتكاملها واستقلالها، وبذلك نجعلها مغلقة على نفسها مستحيلة الاتصال بغيرها، وإما أن نقبل إمكان اتصال ذات بذات، وبذلك نحد من تكامل الذات وتفردها واستقلالها، ويواجه «باون» هذا الإشكال فيلتمس المخرج في القول بوجود ذات - أو روح أو عقل أو نفس - كلية كبرى، ما هذه الذوات الفردية الجزئية إلا أجزاء منها، وبهذا الفرض نحل مسألتين مشكلتين: الأولى أن نرد كثرة الأفراد إلى وحدة واحدة تجعل منهم حقيقة واحدة، والثانية أن نجعل اتصال الذات الفردية بغيرها ممكنا لاشتراكها جميعا في حقيقة واحدة شاملة، إن فاعلية الذات المفردة - ذاتي أو ذاتك - إما أن تكون داخلية كأن تصب تفكيرها على نفسها، أو أن تكون خارجية كأن تتصل بذات غيرها، وليست الفاعلية الداخلية بإشكال؛ لأن الذات عندئذ لا تجاوز حدود نفسها، وتظل محتفظة بفرديتها واستقلالها، لكن الإشكال هو في خروجها عن جدران نفسها للاتصال بغيرها، فها هنا يقول «باون» إن افتراض وجود الذات الكبرى - الله - التي نحن أجزاء منها يجعل هذا الذي نظنه اتصالا خارجيا بين ذات وذات، يجعله فاعلية داخلية بالنسبة للذات الكبرى، وإذن فلو نظرنا إلى الذات الكبرى الشاملة على أنها الحقيقة لما قامت في وجهنا مشكلة خروج الذات عن نفسها كيف يكون، إن أفراد الناس يؤثر بعضهم في بعض، بل وقد يعارض بعضهم بعضا، لكن هذا التضاد بينهم وهذا الانفصال وهذا التجزؤ يذوب كله في عنصر واحد يحتويهم جميعا، وما قد يبدو في عالم الجزئيات تضادا إن هو في حقيقة الأمر إلا اتساق لو نظر إليه من أعلى، نظرة ترى تفصيلات الوجود كلها دفعة واحدة في كل واحد.
الكون كله - إذن - عقل واحد كبير، عقول الأفراد أجزاؤه، ولولا أننا نواجه بعقولنا الفردية عقلا إذ نواجه الكون ، لما أمكن أن ندرك فيما ندركه ارتباطا منطقيا هو بعينه الارتباط الذي نراه قائما بين أفكارنا، أي إنه لو لم يكن الكون عقلا، وكان من عنصر مختلف عن عنصر العقل لاستحال على العقل الإنساني أن يفهم ظواهره وأحداثه؛ إذ كيف له عندئذ أن يفهم ما ليس بينه وبينه شبه؟
انظر إلى جارك تجد جسما ماديا يتحرك وينطق ويسلك سلوكا تراه بعينك فترى فيه نظاما وتلمس له هدفا وغاية، «فتستدل» من ذلك أن له عقلا يحركه بهذا السلوك نحو تلك الغاية، إنك لم تشهد عقله بعينيك، لكنك تستدله استدلالا مما ترى فيه من سلوك وحركة، وهكذا قل في الكون بأسره: ترى فيه حركة بين أجزائه، ثم ترى في الحركة نظاما واتساقا يهدفان إلى غاية، أفلا تستدل من ذلك أيضا أن وراء هذا الجسم المادي الكبير عقلا كبيرا؟ لو أخذك في هذا العقل الإلهي شك، فحري بك كذلك أن تتشكك في عقل جارك؛ لأن طريقة الاستدلال في كلتا الحالتين سواء.
ولئن كان عقل الفرد الواحد قادرا على إدراك جانب من الكون إدراكا يمكنه من فهمه، فالعقل الكلي قادر على إدراك الكون كله مثل هذا الإدراك، الكون كله نسق عقلي مرتبط الأجزاء، كل جزء يعتمد على سائر الأجزاء وهو في الوقت نفسه ضروري لها، ولكن الفرد الواحد من الناس لا يستطيع أن يرى النسق بأسره دفعة واحدة، وإنما يستطيع ذلك العقل الكوني.
هكذا ترى أن مجرد تسليمك بوجود عقلك أنت، يؤدي بك حتما إلى التسليم بعقل شامل يحيط بالوجود كله؛ لأن كل جانب صغير مما يدركه العقل الفردي دال على أن في هذا الجانب اتساقا عقليا، وفي ذلك إشارة إلى أنه لو رئيت الجوانب كلها معا لتبين أيضا ما بينها من اتساق عقلي، لكن رؤيتها معا تتطلب عقلا أزليا أبديا؛ لأنها لانهائية بغير حدود، وإذن فلا بد أن يكون هنالك ذلك العقل الأزلي الأبدي العليم بكل شيء، وعلى هذا النحو نفسه تستطيع أن تقيم البرهان على أن الذات الإلهية الكبرى ليست علما مطلقا فحسب، بل هي كذلك خير مطلق وجمال مطلق، استدلالا من الخير الجزئي والجمال الجزئي اللذين يدركهما الفرد في نفسه ؛ لأنه إذا كان علم الإنسان الجزئي بأحد جوانب الكون دليلا على وجود حق يشمل الكون كله، فميل الإنسان إلى الخير الجزئي المحدود بحدود فرديته، وحبه للجمال الجزئي المقيد بقيود خبرته، يشيران إلى خير مطلق يسعى إليه الكون كله، وإلى جمال مطلق سابغ على الكون كله. (2) «جوزيا رويس»
অজানা পৃষ্ঠা