والمشهور أنه لم يكن يسمح لأحد أن يظل في حضرته جالسا أو لابسا قبعته، وحكت لادي مالكولم أنه بقي يوما أربع ساعات يتمشى في ردهة لونكوود وكل منهما متأبط قبعته؛ ذلك لأن الإمبراطور كان يفضل احتمال هذا التعب على أن يرى نفسه مع زوجها غير محترم كما يريد، وكم مرة أحس طبيبه أنتومارشي بالإعياء لاضطراره إلى الوقوف زمنا طويلا وهو لابس ثوبه الرسمي؛ إذ لم يكن يقبل بدونه.
الفصل الثامن عشر
آخر مراحل العذاب
ليس بين أيدينا كتاب يشرح بالتفصيل حالة السجين العظيم في أعوامه الأخيرة، ويذكر لنا التطورات التي تقلبت فيها صحته منذ أخذ الداء يظهر فيه بأجلى مظاهره. نعم، ثمة تقارير الحلفاء لمندوبيهم القائمين بمراقبته، ولكنها لا تحوي كل الحقيقة؛ لأنه لم يكن يسمح لهم بمواجهته، وكل ما فيها قائم على الإشاعات والأخبار الدائرة على الألسن.
والذي يمكن استنتاجه من كل ما قيل عنه أن هذه التطورات ابتدأت في سنة 1816، فقد ذكر مونتولون أن الإمبراطور كان في يوليو من تلك السنة يتألم شديد الألم من أعصابه ومن الصداع، حتى كان لا يقوى على العمل.
وأراد هدسون مقابلته في أول أكتوبر فرفض بدعوى المرض أو التمارض، ولم يخرج في غداة ذلك اليوم، وفي 24 منه أبى أيضا أن يستقبل أحدا، ولما رأوه بعد يومين كانت لثته ملتهبة وعلى شفتيه بعض البثور الناتجة عن الحمى، ولم تمنع هذه الأعراض الواضحة مندوب النمسا أن يكتب إلى مترنيخ: «لا يزال بونابرت بتمام العافية، يأكل كثيرا ويسمن.» وبديهي أن يسمن رجل قضى عمره في الحركة ثم منعت عنه دفعة واحدة، وكان يقول لمن يذكره بضرورة الرياضة والخروج للنزهة في العراء: «إنكم لا تفهمون شيئا عن صحتي، فأنا شاعر بالحاجة إلى الرياضة، ولكن رياضة صحيحة طويلة أقطع فيها الأميال، لا دورة محدودة حول هذا البستان الصغير نتيجتها احتقان في رأسي وألم في مفاصلي.»
الدكتور أوميرا.
وكان يميل إلى الركوب في بادئ الأمر، غير أن وجود ضابط إنكليزي على أعقابه جعله يكره ذلك، فاكتفى بالحركة داخل البيت: تارة يلعب بالبلياردو، وطورا يترجح على جواد من خشب صنعه خصوصا لذلك.
وفي عام 1817 زادت آلامه وقل نومه وأصابه ورم في رجليه وخور في أعصابه وتعب في عضلاته، فكان يقول لمونتولون: «إن دمي سيقتلني، ففي النفس حاجة عظمى إلى الحركة والتعب، ولكن أنى لي ذلك؟! وهدسون يخترع كل يوم سببا جديدا لمنعي من الركوب.»
لا ريب أن الذي مهد السبيل إلى هذا الانحطاط السريع الهائل في صحة الإمبراطور هو الإقامة في جزيرة القديسة هيلانة ومعاملة هدسون القاسية، فإن هذا الحاكم كان ضيق الإدراك، فلم يدع سببا من أسباب الاضطهاد والجاسوسية إلا أخذ به، وحول الجزيرة بالمدافع وحراسة النسافات إلى سجن يقتل العافية كما يقتل الأمل، أضف إلى ذلك فساد الهواء في تلك الناحية، فقد كانت آثاره السيئة بادية على كل وجه، حتى قال أوميرا: «إنه من المستحيل أن يعمر إنسان في هذه البقعة من الأرض ، وإن منظر امرأة عجوز فيها لمن الأمور الخارقة العادة.» وقد شكا سوء المناخ كل من في حاشية الإمبراطور ما عدا برتران، حتى إن أولاد هذا أصابهم من الحمى والضعف ما كانوا منه على شفا خطر، وقد سبق لنابوليون قبل المنفى أن عانى الإجهاد، فلم يرزح تحته واتفق له غير مرة أن تناول من الطعام ما لا يلائم معدته، وأن أكل بلا نظام دون أن يشعر بأذى، ولكن مناخ الجزيرة واضطهاد حاكمها قد غلباه على أمره وساعدا على إظهار الداء قبل أوانه.
অজানা পৃষ্ঠা