إن اجتياز جبل سان برنارد سنة 1800 كان حادثا عظيما في التاريخ، ولا نحاول هنا إعادة ما قيل، ولا نقل المعروف عن كتب التاريخ، بل نتلمس الحقيقة كعادتنا في مظانها الحقيرة الصادقة، فنروي للقراء ما عثرنا عليه مما لا يزال أكثره مجهولا، فقد جاء في مذكرات الدليل الذي رافق البطل في هذه الحملة ما يأتي: الفرق عظيم بين الجنرال فيكتور والقنصل، فالأول كان شديدا عاتيا قليل الصبر، لم أجد في رفقته إلا الخوف، فكلما عثر بغلي تحته كان «يهول» علي بالكرباج أو بالسيف، على أنه كان جميل الطلعة، حسن الهندام، أما بونابرت فكان هزيلا شاحبا، وبياض عينيه كقشرة الليمون (ملاحظة خليقة بطبيب!) وكان قليل الكلام، حزين النفس، يكثر من التلفت وراءه ليتحقق من تقدم الجيش الزاحف.
وذكر إنكليزي رآه بعد سنتين من هذا التاريخ وهو يستعرض الجيش في التويلري: إن ملامحه كانت تدل على التعب والسوداء قال: «ما كادت المركبات تصطف في أماكنها وتقف فرق الخيالة والمشاة أمام القصر، حتى أطلق المدفع فشاهدنا رجلا صغيرا يقفز بخفة لا مثيل لها فوق جواد أبيض، وينطلق مسرعا بين الصفوف يتبعه القواد والضباط، أما الجواد فكان اسمه مارانكو، وأما الراكب فنابوليون بونابرت القنصل الأول.»
الإمبراطورة ماري لويز.
وكان مرتديا سترة زرقاء ذات حواش بيضاء، ولابسا قبعة صغيرة عليها شريط مثلث الألوان.
أما وجهه فلا ريشة المصور ولا قلم الكاتب يقدران أن يأتيا بالحقيقة عنه، فإن لونه كان أصفر قاتما، وعيناه غائرتين في رأسه، ولهما زرقة ضاربة إلى السواد، ونظر أحد من السهام.
وكانت شفتاه جميلتين تعلوهما من آن لآن ابتسامة حلوة ساحرة، إلا أنها نادرة وكثيرا ما خلفتها عبوسة مخيفة لأدنى سبب؛ لأن نابوليون لم يكن يطيق المعارضة.
وكان يطعن في الأطباء ويستهزئ بهم إلى أن أصابه داء في صدره، فشفاه كورفيزار وجعله يغير اعتقاده، فصار كما يقول هو نفسه: يثق بالطبيب دون الطب. وهذه عبارة لا معنى لها؛ لأن الطبيب هو بطبه قبل كل شيء، ولكنها من تناقضات نابوليون الكثيرة.
ومن تناقضاته أيضا في مسائل الطب والفسيولوجيا تعريفه الموت بأنه فقدان الإرادة، وكان يقدم برهانا على صحة رأيه الحادثة الآتية:
جمح به مرة جواد المركبة في سان كلود، فوقع منها على صخر وأصابت الصدمة معدته، فآلمته كثيرا، فلما كان الغد وقد استرجع قواه قال لمن حوله: «أمس أتممت اختباري عن الإرادة، فإن الضربة التي أصابتني في معدتي كانت شديدة، حتى خيل لي أن الحياة أخذت تفارقني، ولكن بقي لي متسع من الوقت لأفتكر وأقول: لا أريد أن أموت، ففزت وبقيت حيا، ولو كان سواي في مكاني لما عاش بعدها.»
وسواء أكان صادقا فيما رواه عن نفسه أم غير صادق، فإنه لم يظهر مثل هذه الشجاعة في أحوال غيرها كانت تتطلبها، فقد قيل إنه كان يتنزه مرة في النهر مع بعض حاشيته، فانقلب بهم القارب وسقط الجنرال برنيار في الماء، فأخذ منه الرعب مأخذه وأغمي عليه، ولم يذع هذا النبأ، بل بقي سرا من أسرار الدولة.
অজানা পৃষ্ঠা