وعند ذلك هاج غضبي فتناولت الزجاجة التي أمامنا، وقذفتها إلى الخزانة التي تحتوي زجاجات الأشربة فتكسر بعضها ، ثم أردفتها بالطبق وما عليه من الأقداح، ثم دفعت المائدة التي أمامي برجلي فانقلبت، وكان للمنزل رجة منها، وعند ذلك دخلت إيفون بثوب النوم، ونظرت إلى الخزانة وما أمامها من الزجاجات المكسرة وإلى المائدة المقلوبة، فلم تنبس ببنت شفة سوى أنها نادت الخادم، وأمرته أن يلم الزجاج المكسر، ويمسح السوائل التي جرت على الأرض.
رأيت أمارات الحزن في محياها تتغلب على أمارات الغضب، ثم التفتت إلينا وقالت: لا بأس، تفضلا اقعدا.
فقلت: قعدنا طويلا ولم تحضري والآن حان أن نمضي، ومشيت آملا أن تمسك بيدي وتستوقفني وتقعدني بالرغم مني، ولكني خرجت من غير أن تقول كلمة أو تخطو خطوة، وكنت كلما بعدت يعز علي أن أقف أو أن أعود إليها، وبقيت أنفتي تدفعني إلى الخارج حتى صرت في عرض الشارع، فشعرت أن قلبي ذاب وجدا، وجعلت أعض أصابعي ندما لنزولي العاجل بهذا الحمق من غير أن أعاتب إيفون، أو أوبخها أو أغيظها بأمر من الأمور أو أن أصالحها.
وقبل أن يتلاشى النهار كان غيظي قد خمد، فجعلت أندم على كل ما فعلت وشعرت أن عملي يخجل من إتيانه الهمج والمتوحشون، وأخيرا قررت أن أنزل عن ذروة كبريائي وأعتذر لإيفون، ولكني استصعبت مشافهتها بالاعتذار، فتناولت القلم والورق، وكتبت لها هذا الكتاب المختصر:
عزيزتي إيفون
لا بد أنك تؤكدين أن الغيرة هي التي دفعتني إلى ذلك الجنون، والغيرة بنت الحب العميق، فهل تسامحينني يا إيفون؟ لا تزال سعادتي بين يديك ألا تزالين تحبينني؟
موريس
ألقيت الكتاب في صندوق البريد، وأنا شديد الأمل بأن إيفون تجاوبني جوابا أتذرع به إلى زيارتها ومعاتبتها، وتجديد عهد الحب بيننا، ولكن مر يوم ويوم ويوم، وأنا أتجرع مر الصبر وإيفون لم تجب، خطر لي أن يكون كتابي قد فقد في دار البريد، فأرسلت خادمي يسأل فانتين سرا عما إذا كان قد وصل ليد إيفون، فقالت: إنه وصل وإنها قرأته.
وعند ذلك تأكدت أني فرغت من قلب إيفون، وإلا لما أصرت على مجافاتي من غير أن تبين السبب إن كان ثمت سبب مني، فكرت طويلا في سبب تغير قلبها، فرجحت أنها شغلت بسواي ولا سيما؛ لأنها كانت تستلذ عشرة شاب يدعى المسيوف، فخامرني الظن بهما.
تغير نظري في حقيقة إيفون، لم أعد أتخيلها دائرة في الفلك الذي كنت أرصدها فيه، ولا أستجليها في العرش الذي بوأتها عليه، ولا أرى روحها بعين بصيرتي شفافة متألقة كما كنت أراها قبلا، صرت أقول في نفسي: أما هي مومس؟ إذا عمر حب المومس عاصر وردة الربيع، ومهما طال عهدها فلا يطاول مطلها، وإذا وفت مرة قال الناس: نحن في عصر العجائب.
অজানা পৃষ্ঠা