فتململت قليلا وقالت: لست أعني أن زيارتك لي أمر محظور في حين من الأحيان، وإنما أستفهم عن الداعي الذي ساقك إلي.
وكان ثغرها يتدفق ابتساما ووجهها بشاشة، وشعرت أن وجهي يتلهب والدم يتدفع في عروقي، فقلت: لا أظن يا سيدتي أن داعي زيارتي أمر خفي، ظننت نفسي أحد أصدقائك فرأيت أنه من الواجب علي أن أزورك، وما أراني أسأت الظن. - بل أحسنته، مرحبا بك.
ثم أدارت نظرها في القاعة إلى أن انتهى عند البيانو فقالت: لا بد أنك تحب الموسيقى؟ - جدا. - فتود أن تسمع الآن لحنا؟ - إنه لطف عظيم جدا يا مدموازيل.
بعد ما ضربت على البيانو عدة ألحان هممت أن أمضي، فأمسكتني قائلة: لست تذهب، بل تبقى إلى أن نتناول الشاي، فإني منتظرة صديقين قد دعيا نفسيهما لتناوله عندي. - أشكر لطفك جدا.
ثم جلسنا نتحدث فكنت أراني حينئذ في بحر من السرور عميق القرار، وما دنت الساعة الرابعة حتى وافى إلينا صديقاها المنتظران: المسيو أوكتاف بوشار، والمسيو فكتور تينارديه، وهما شابان في عنفوان الشباب، فعرفتهما بي، أما المسيو تينارديه فخفيف الحركة جدا، ولكنه كان ثقيل الظل على قلبي؛ لأنه منذ دخل لم يهدأ له ثائر، فكان تارة يجلس إلى البيانو فيلعب عليه، ثم يجلس إلى جنب إيفون فيمازحها، ثم إلى جنب فانتين فيداعبها، وأما إيفون فكانت تضحك منه كثيرا؛ ولهذا غرت منه وخفت أنها لا تستلطف الأصدقاء إلا إذا كانوا مهاذير كالمسيو تينارديه وما أنا كذلك، أما المسيو بوشار فكان أقل خفة من فكتور وأقل رزانة مني.
وبينما كان فيكتور يداعب فانتين جذبها إليه، وهم أن يلثم ثغرها فنفرت منه نفور الظبي من الذئب، فانتهرته إيفون غاضبة قائلة: إنك لوقح.
فضحك قائلا: وماذا يكون لو فعلت؟ - قلة أدب.
فاكفهر وجهه؛ لأنه رأى انفعال إيفون شديدا وقال: كلا بل هو الأدب بعينه. - بل هو التسفل بعينه.
فضحك ضحك الساخر قائلا: لسنا في كنيسة. - الأدب واجب في كل مكان فالزمه أو فامض. - إني أعلم في أي منزل أنا.
وعند ذلك كانت إيفون تنتفض من الغضب، وفكتور يقدح شرر الغيظ من عينيه فقالت له: ماذا تعني؟ - أعلم أني في منزل يجوز فيه كل شيء، فهل تريدين أن توهمي يا إيفون أن منزلك دار للملائكة. - متى رأيت فيه مثل ما فعلت.
অজানা পৃষ্ঠা