فهل نعلل إخفاق حياتها بهذا الزواج الانفصالي، أم نعزوه إلى أنها كانت من الأصل مزعزعة النفس لم تستطع الاستقرار؟
أظن أن التعليلين مسئولان.
والذي نحسه حين نقرأ سيرة هافلوك إليس بقلمه أن حبه لها قد بقي إلى يوم وفاتها، بل هو يقص علينا إحساساته الأليمة حين رآها تجري وراء هذا الشاب الجميل، ثم بعد ذلك حين زاغت بها الشهوة إلى إحدى الفتيات، ثم هو يصف لنا في مرارة كيف حمل جسمها إلى المرمدة حيث أحرق، وكيف حمل اللحاد الرماد وذره في الجهات الأربع في الحديقة. •••
والآن نقف كي نتأمل هذا الزي الجديد للزواج أو هذا الأسلوب الجديد للعيش ... وهما زي وأسلوب يتفشيان هذه السنين الأخيرة في الولايات المتحدة بدرجة خطيرة، وفي أوروبا الغربية، ولكن ليس إلى المدى الذي بلغا بين الأمريكيين.
وكان «ليون بلوم» الرئيس الاشتراكي السابق للوزارة الفرنسية يدعو إليه، ويقول إنه خير الأساليب للعيش. وعلينا هنا أن نفترض الافتراضات والاحتمالات، فنقول إن خروج المرأة من البيت إلى المجتمع في النصف الأول من هذا القرن كان منتظرا، وقد زادته الحربان الأخيرتان تأكيدا لحاجات المصانع إلى عمل المرأة بدلا من الرجل الذي ذهب إلى ميادين القتال. ثم إن المساواة في التعليم قد جعلت للمرأة كفايات حرفية أهلتها للعمل والكسب، وأخيرا إحالة المنزل من مؤسسة تقوم على العمل اليدوي إلى أخرى تقوم على العمل الكهربائي، قد جعل بقاء المرأة في المنزل طوال النهار شيئا غير معقول.
وجميع هذه الاعتبارات قد بلغت ذروتها في الولايات المتحدة؛ لأن المنزل هناك «مكهرب» والمرأة تكسب كالرجل، وكلمة «الشخصية» قد اكتسبت لهذا السبب معناها العصري للمرأة في أمريكا. والمرأة التي تنشد تكوين شخصيتها إنما تنشدها بالتعلم والاحتراف والاختلاط بالمجتمع، وليس بالانزواء في البيت؛ وهي لذلك حين تتزوج تصر على استبقاء حرفتها ونشاطها الاجتماعي، وتزيد هذا الإصرار قوة بأن تطلب بقاءها منفصلة في منزلها وقت الزواج كما كانت أيام عزوبتها.
وحجتها أن حياتها الخاصة، وما جمعت حولها من أصدقاء وكتب واهتمامات يجب ألا تنقطع بالزواج، ولكن اشتراكها في منزل زوج يؤكلها ثلاث وجبات كل يوم، ويقحم أصدقاءه على حياتها الخاصة، وربما يعترض على أصدقائها هي، هذا الاشتراك لا يترك لشخصيتها المجال الحيوي كي تنمو وترقى؛ لذلك يجب أن تعيش حياتها الخاصة بعد الزواج كما يعيش هو حياته الخاصة، ووسيلة ذلك أن يعيش كل منهما في منزله الذي كان يعيش فيه أيام العزوبة.
وكثير من الأزواج الذين اضطلعوا بمهام واشتغلوا باهتمامات تزيد على مألوف العامة يحسون الوجاهة في هذا المنطق. وليست المرأة وحدها هي التي تطلب في أمريكا وأوروبا الغربية هذا الزواج الانفصالي، وإنما هو للرجل أيضا حين يرصد نفسه لأهداف اجتماعية يحس أن الروابط الزوجية تقيده وتحول بينه وبين بذل ماله وعمره لتحقيقها، فإن رجل العلم أو رجل الأدب أو رجل الفن أو السياسة كل هؤلاء يجدون أن الحياة العائلية بمألوفها وارتباطاتها لا تتفق وما يضطلعون به من مسئوليات جسيمة سواء أكانت لأشخاصهم أم لوطنهم. •••
عاش هافلوك إليس نحو عشرين سنة أخرى بعد وفاة زوجته، وقد شغفت به بعد ذلك سيدة فرنسية وعاشت معه إلى يوم وفاته منذ نحو عشر سنوات.
وقد قرأت معظم ما ألفه هافلوك إليس، وإني أحس أنه كان على فهم عميق للحضارة الأوروبية، وأعني بهذا الفهم العميق أنه كان يصل حاضر أوروبا بعصر نهضتها فيما بين عام 1450 وعام 1550 حين شرعت تغير عقائدها وأسلوب معيشتها.
অজানা পৃষ্ঠা