وذكر الشهوة لأن النفس إذا اشتهت الشيء ، كانت أسمح في طلبه ، وأنشط لاتماسه ، وهي عند الشهوة أقبل للمعاني ، وإذا كانت كذلك لم تدخر من قواها ، ولم تحبس من مكنونها شيئا ، وآثرت كد النظر على راحة الترك ، ولذلك قيل : يجب على طالب العلم أن يبدأ فيه بالمهم ، وأن يختار من صنوفه ما هو أنشط له ، وطبعه به أغنى ، فإن القبول على قدر النشاط ، والبلوغ على قدر العناية .
وذكر الكفاية لأن التكسب وتعذر المعاش مقطعة ، والرغبة إلى الرجال مذلة ، والحاجة تميت النفس وتفسد الحس .
وذكر المعلم الحاذق لأنه ربما أخذ المتعلم سوء عبارة المعلم ، وذلك إذا لم يكن حاذقا بطرق التعليم ، عالما بتقديم المبادئ ، وإذا كان كذلك لم يحل المتعلم منه بطائل ، لأن المقدم إذا أخر والمؤخر إذا قدم ، بطل نظام التعليم ، وضلت مقدمات الأمور ، فأدى المتعلم ذلك ، وإن اجتهد إلى البعد والتأخر ، وعلى قدر الأساس يكون البناء .
وذكر ( ثقوب الذهن ) لأنه علة القبول وسبب الفهم ، والبلادة تنافي ذلك الفهم والقبول ، والبليد لا ينفعه طول التعليم ، كالصخر لا ينبت فيه بدوام المطر .
وذكر ( كثرة العمل ) لكثرة العلم ، وكثرة العوائق والموانع ، وقصر العمر ، فمن لا يدأب في الطلب ، ويكثر من الالتماس في وقت الفراغ ، وقوة الشباب ، قطعته القواطع بعد قليل ، فيبقى صفرا وعاريا عطلا .
قال الشيخ أبو هلال :
فإذا كان العلم مؤنسا في الوحدة ، ووطنا في الغربة ، وشرفا للوضيع ، وقوة للضعيف ، ويسارا للمقتر ، ونباهة للمغمور حتى يلحقه بالمشهور المذكور ، كان من حقه أن يؤثر على أنفس الأعلاق ، ويقدم على أكرم العقد ، ومن حق من يعرفه حق معرفته أن يجتهد في التماسه ليفوز بفضيلته .
পৃষ্ঠা ৪৯