ومثل ذلك أن الرشيد جمع الفقهاء فاجتمعوا في ذلك ، ثم خرج عليهم فقاموا له إلا محمد بن الحسن ، فلما دخل استدعاه ، فشمت به بعض أعدائه ، فلما رآه الرشيد قال : لم لم تقم لي كما قام أصحابك فقال : إنك يا أمير المؤمنين أنزلتني منزلة العالم ، وما كنت لأنزل نفسي منزلة الخادم .
فقال له : أحسنت ، وسأله عن مسألة في السيرة ، فأجاب عنها ، فأمر له بحمل عشرة آلاف درهم ، وقال : فرقها في أصحابك .
قال : فخرج مسرورا والمال بين يديه فانحر من كان شمت به وحسده .
قال أبو هلال : ومن طمع أن ينال مثل هذه المنزلة بالفتور والهوينا فقد غر نفسه .
وذكر بعض الشيوخ أن أبا تمام الطائي قصد في أول أمره بعض رؤساء الشام ، فأنشده قصيدة من درج ، فانسر بها الرئيس ثم نظر إلى الترجمة فإذا حبيب بن ابن أوس الطائي ، فقال له : أقل ما ينبغي للشاعر أن يعرف شعراء قبيلته ، فكم من طيء شاعر فقال : كذا وكذا شاعرا مشهورا ومغمورا وأنشدهم قصائد ومقاطع ، ثم أنشد بعضها مقلوبا ، فعجب الرئيس من حفظه وذكائه وقدمه ، وقال : كيف تمكنت من حفظ ما أرى فقال : أفادنيه الطلب وحفظنيه السهر ، فعظم في عينه وأجازه . قال أبو هلال : ونعم المعلم الدرس ، ونعم المعين السهر ، ونعم الدليل السراج ، ونعم القائد الليل ، ونعم المذكر الكتاب .
وقال الشاعر : ( فليجتهد رجل في العلم يطلبه
كي لا يكون شبيه الشاء والبقر ) والجهل شبيه بالعمى ، وهو معنى قديم ، وقد جاء به القرآن .
পৃষ্ঠা ৮৬