<1/68> وأرباب القلوب في هذه المراقبة على حالين: منهم من يغلب عليه مشاهدة الحق حتى كأنه يراه لا سيما إذا استحضر قوله تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرءان ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه}[يونس61]، وقوله تعالى: {الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين}[الشعراء:218/219]، ومنهم من لا ينتهي إلى هذه الحالة لكنه يغلب عليه استحضار حقيقية العبودية وأنه مأمور بإيقاع هذه العبادات فيوقعها بالإخلاص وصدق وقوة عزم واستحلائها وتلذذ بها، فهذا يصدق عليه أنه محسن، والأول محسن غاية الإحسان، وإنما يقع التفاوت بينهما بقدر تفاوت المعرفة والخشية، وقد فسر الإحسان في حديث أبي هريرة بقوله: "أن تخشى الله كأنك تراه" فعبر عن المسبب باسم السبب توسعا.
قال بعض من تكلم على هذا الحديث: الألف واللام في الإحسان المسؤول عنه للعهد، وهو الذي قال الله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنىا وزيادة}[يونس:26]، {هل جزآء الاحسان إلا الاحسان} [الرحمن:60]{ وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة: 195]، ولما تكرر الإحسان في القرآن وترتب عليه هذا الثواب العظيم سأل عنه جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه ببيانه ليعمل الناس عليه، فيحصل لهم هذا الحظ العظيم، انتهى.
قوله: «كأنك تراه» قال بعضهم: "ينبغي أن يكون انتهاء الجواب عند قوله صلى الله عليه وسلم كأنك تراه، ويكون قوله : «فإن لم تكن تراه فإنه يراك» مستأنفا لأن الأول من جنس مقدور العبد، يجوز أن يكون وأن لا يكون بخلاف الثاني؛ فإن الباري تعالى يرى جميع الأشياء على الجملة والتفصيل، أحسن هذا عبادته أو لم يحسنها، إلى آخره.
পৃষ্ঠা ৬৮