أشرف نوع البشر وأكمله تنبيها على أن له تعالى استحقاقا ذاتيا للحمد كالاستحقاق الوصفي.
والمراد بالاستحقاق الذاتي كونه تعالى مستحقا للحمد بجميع صفاته الثبوتية والسلبية وبالاستحقاق الوصفي كونه مستحقا لذلك باعتبار اتصافه بالوصف المذكور مع قطع النظر عن اتصافه بغيره. والاستحقاق الذاتي لا يتصور إلا في الباري تعالى ولذلك تراهم يذكرون في مقام الحمد اسم الذات أولا والوصف ثانيا، وفي مقام التصلية يذكرون وصف الرسول صلى الله عليه وسلم أولا واسمه ثانيا على طريق عطف البيان. والإنزال والتنزيل عبارتان عن تحريك الشيء مبتدئا من الأعلى إلى الأسفل وبينهما فرق من جهة أن التنزيل يدل على النزول تدريجا والإنزال يدل على النزول دفعة، وذلك لأن بناء التفعيل للتكثير وكثرة النزول إنما يكون بكونه على سبيل التدريج. ثم إن المتحرك قسمان: أحدهما: متحيز بالذات كالجواهر الفردة وما يتركب منها وثانيهما: متحيز بالتبع وهو الأعراض القائمة بموضوعاتها فإن العرض تابع لموضوعه في التحيز سواء كان قارا في الموضوع كالسواد والبياض أوسيا لا مترتب الأجزاء ممتنع البقاء كالحركة والكلام اللفظي، وكل واحد من القسمين المذكورين تعرض له الحركة حقيقة إلا أن القسم الأول منهما تعرض له الحركة أصالة وبالذات بخلاف القسم الثاني فإنه لا يتحرك أصالة لاستحالة انتقال الأعراض عن موضوعاتها، وإنما يتحرك بتبعية محله ضرورة تحرك الحال بحركة المحل كالجسم الأسود المتحرك إذا تحرك بحركة تحرك ما حل فيه من السواد والكلام تبعا له. ثم إن الكلام النفسي الذي هو صفة أزلية قائمة بذاته تعالى لا يتصور فيه الحركة والنزول لا بالذات وهو ظاهر لامتناع انتقال شيء من صفات الله تعالى عنه، ولا بتبعية موصوفه الذي هو ذات الواجب تعالى وتقدس لاستحالة الحركة عليه حتى تتحرك صفاته تبعا له، وإنما المنزل هو الكلام اللفظي الحادث المركب من الألفاظ والحروف المؤلفة من الآيات والسور وهو القرآن المعجز المتحدي به لكون كلام الله حقيقة على أنه مخلوق لله تعالى ليس من تأليف المخلوقين لا على معنى أنه صفة قائمة بذاته تعالى لأنه حادث ويمتنع قيام الحوادث به تعالى. ويجوز أن يخلق الله تعالى أصواتا مقطعة مؤلفة على هذا النظم المخصوص فيأخذها جبريل عليه الصلوة والسلام ويخلق له علما ضروريا أنه هو العبارة المؤدية لمعنى ذلك الكلام النفسي القديم الذي هو كلام الله على معنى أنه صفة له قائمة به مع أن الأشاعرة يجوزون أن يسمع كلامه تعالى الأزلي بلا صوت وحرف كما يرى ذاته تعالى في الآخرة بلا كم وكيف. فعلى هذا يجوز أن يخلق الله تعالى لجبريل عليه السلام وهو في مقامه عند سدرة المنتهى سماعا لكلامه الأزلي وإن لم يكن من جنس الحروف والأصوات ثم يقدره على عبارة يعبر بها عن ذلك الكلام القديم. وقيل: أظهر الله تعالى في
পৃষ্ঠা ৮