على طريق الكناية وأثبت للأولى الانغلاق وللثانية القناع ففيه استعارتان مكنيتان وتخييليتان وهو وجه وجيه ذكر أهل المعاني نظيره في قوله تعالى: ﴿جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ﴾ [سورة الأنبياء: ٥ ا] كما في شرح المفتاح فمن ظن أنه لم يسبق إليه فقد وهم إلا أنّ ما في الآية من أعلى طبقات البلاغة وما هنا أضيف أحد التخييلين للآخر والمعروف فيه عدم الإضافة كما في هذه الآية، أو إضافة التخييل مكنية، كإظفار المنية فلو كان النظم جعلناهم في حصاد الخمود كان مما نحن فيه لا يقال الانغلاق من لوازم الخزانة دون المخزونات والقناع أثبت للإنغلاق لا للآيات لأنا نقول إذا كان من لوازم الخزانة كان من لوازم المخزون بواسطة ومثله كثير، ولما شبه الانغلاق بالقناع تشبيهًا بليغا صيره من جنسه كزيد أسد كان ثابتا لللآيات ادّعاء إن كان على هذا الوجه من قبيل لجين الماء أيضا إلا أنه يكون القناع مسوقًا للتشبيه فيبعد جعله تخييلاَ واثبات الكشف له كما مرّ.
وعلى كل حال فركاكته ظاهرة والقوم صرّحوا بجواز أجتماع المصرّحة والمكنية في لفظ
واحد كما في قوله تعالى: ﴿فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ﴾ [النحل: ١١٢] فلو
حمل ما هنا عليه كان أوجه وأقرب مما ذكر فيقال استعير الانغلاق لخفاء المعاني وصعوبة
فهمها ثم لما شاع في الاستعمال استعير مرّة أخرى على طريق الكناية فشبه خفاء المعاني في
ألفاظها باحتجاب العرائس، وتسترها بقناعها وأثبت ذلك لها تخييلًا فتدبر قوله: (عن آيات
محكمات الخ (فسر المصنف ﵀ في سورة آل عمران المحكم بما أحكمت عبارته بأن
حفظت عن الاحتمال والاشتباه والمتشابه بخلافه فيندرج في المحكم النص والظاهر وفي
المتشابه ما يخالفه كالمجمل والمؤوّل، وهو مصطلح الشافعية في أصولهم، فيشملان جميع
أقسام النظم وعند الحنفية المحكم ما زاد ظهوره حتى سذ احتمال النسخ معنى وإن احتمله لفظا
وتلاوة والمتشابه ما خفي بنفسه فلا يدري أصلًا فلا يشمل الأقسام، ويرد عليه أن كشف قناع
الانغلاق يقتضي سبق الاستتار فيه، وهو غير ظاهر في المحكم، وأجيب عنه بأنّ معاني
المحكمات قبل نزول الوحي والقائه على الناس كانت مخفية، وبالقاء النبيّ الكلمات ظهرت
معانيها، وزال خفاؤها لبروزها من فناع الكمون إلى تجلي الظهور قوله: (تأويلاَ وتقسيرا) لف ونشر غير مرتب وهما منصوبان على المصدرية لأنهما نوعان من الكشف أو على التمييز أو الحالية أي مؤوّلًا ومفسرا، فالأوّل للتشابهات، والثاني للمحكمات كما في التفسير، وتسميتة تفسيرًا على هذا بالنظر إلى المعنى اللغويّ، وهو التبيين والمراد به ما يتناول التلبيغ، أو المراد ما يتناول التعبير عن مراد الله بعبارة أوضح بالنسبة إلى متفاهم العامة وحينئذ الانغلاق عبارة عن خفائها بالنسبة إلى متفاهمهم أيضًا، وقيل: لما كانت في عرضة الانغلاق كالمتشابهات، وحفظت عنه جعلها مكشوفة عنها على حدّ قولهم ضيق فم الركية، ولا يخفي ما فيه من التكلف ومنافاته لقوله تفسيرا مع تكلف الجمع بين الحقيقة والمجاز، وإن قال به المصنف رحمه الله تعالى، ومع أنه لا يناسب نسبة الكشف إلى النبي ﷺ، ولذا قيل إنه على تقدير إرجاع الضمائر لله تعالى، وأمّا على ارجاعها للعبد كما هو المتبادر من الإفحام وقرائنه فالوجه أن يراد بالمحكم غير ما ذكره المصنف ثمة وفي الدرّ المنثور المحكم ما عرف المراد منه إمّا بالظهور وإمّا بالتأويل، والمتشابه ما استأثر الله بعمله، وقيل ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحد والمتشابه ما احتمل أوجهًا، وقيل ما كان معقول المعنى وما خالفه وفيه ما فيه، ومن قال في شرحه كشف لثام الانغلاق عن آيات محكمات واضحات لا تقبل النسخ فقد غفل عن مذهب المصنف رحمه الله تعالى، والمراد بكونها أمّ الكتاب أنها أصله الذي يردّ إليه وأفردها لأن المراد كل واحدة منها أو لأنها بمنزلة شيء واحد لاشتراكها كلها في الظهور وللمتشابه أسباب مختلفة، والرمز الإشارة بشفة أو حاجب والمراد ما أفيد لا بطريق الظهور، فلا يرد أنه يناسب ما فسر به الحنفية المتشابه والخطاب توجيه الكلام نحو الغير للافهام ويطلق على الكلام الموجه نفسه والتأويل من الأول وهو الرجوع لأنه بيان ما يرجع إليه بمقتضى القواعد والنظر الصحيح؛ أو بيان عاقبة الأمر كما سيأتيء
ولينى هو التفسير بالرأي المنهي عنه في حديث:) من فسر القرآن برأيه فليتبوّأ
1 / 8