قوله: (وأفحم الخ) وفي نسخ أفحم بدون عاطف لأنه بيان أو توكيد لقوله: لم يجديه قديرا، فالعطف إمّا لعدم قصد ذلك أو لعطفه على جملة تحدّى ويجوز كونه استئنافًا بيانيا حينئذ أيضا والإفحام إسكات الخصم عجزًا حتى كانه لافتضاحه اسودّ وجهه وصار كالفحم كما قيل:
*فتعجبوا لسواد وجه الكاذب*
وتصدّى بمعنى تعرّض، وأصله تصدّد، فأبدلت الدال الأخيرة حرف علة هربًا من ثقل التكرار، كما قالوا في تقضض تقضي، فالمراد أسكتهم للعجز لا للصرفة كما يشهد له السياق، وهذا يدلّ على وجود التصدّي للمعارضة وقوله في) الكشاف): فلم يتصدّ للاتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم يدلّ على عدمه وكلام المصنف ﵀ هو الموافق للواقع وما في الكشاف أمّا محمول على نفي القيد أي لم يأتوا وإن تصدّوا بموازيه، أو على تنزيل تصدّيهم منزلة العدم لعدم ثمرته، وأمّا كون من تصدّي غير فصيح، فليس بشيء، وقد اعترف به الوليد مع بلاغتة ومبالغته في كفره في كلامه المعروف في السير، وقول قريش له صبًا والله
فإن قلت لم خالفه المصنف ﵀، وهو أبلغ كما قيل من وجهين، لأن عدم التصدّي مع كمال الحرص عليه أدل على العجز من عدم الإتيان بعد التصدّي كما أن عدم تصدّي واحد للإتيان بما يدانيه فضلاَ عن مساويه كذلك، ولا احتمال أن ذلك لقلة المبالاة.
قلت: هو كما ذكرت في إلا بلغية لكنه مخالف للواقع وموهم للصرفة إيهامًا قويًا فلذا
رجحه المصنف رحمه الله تعالى فاختر لنفسك ما يحلو فاثباته للتصدّي يدلّ على أنه ليس للصرفة أو الإخبار بالمغيبات، قيل: ولو قال أفحم به اندفع توهم أن الإفحام بالصرفة لا للبلاغة، وفيه أن السياق يدفعه مع أنه لا مجال له هنا إذا الصرف فعله تعالى وإلا فحام مسند إلى الرسول ﷺ وعبارة الكشاف توهمه لإسناده الإفحام إلى الله تعالى، فلذا زاد به مع أنه لولا دلالة السياق أيضًا لم يفهم أنه بالبلاغة لاحتمال أنه لاشتماله على المغيبات والسلامة من التناقض والاختلاف، ولا يخفى أن زيادة به تدفعه لأن مقدار أقصر سورة لا يجري فيه ذلك نعم لو قيل: هو لا يدفع كونه بالنظم الغريب المخالف لغيره أو بمجموع النظم والبلاغة، كما ذهب إليه الباقلانيّ لم يبعد ولا يخفى ما فيه من التعسف.
وفي تهذيب الأزهريّ. اختلف الناس في العرب، ولم سموا عربًا فقال بعضهم أوّل من نطق بالعربية يعرب بن قحطان أبو اليمن وهم العرب العاربة ونشأ إسماعيل ﵊ معهم فتكلم بلسانهم وأولاده العرب المستعرية، وقال آخرون: نشأ بعربة وهي بلدة من تهامة فنسبوا إلى بلدهم وفي الحديث " خمسة أنبياء من العرب إسماعيل ومحمد وشعيب وصالح وهود، وهذا يدلّ على أن لسان العرب قديم وكل من يسكن جزيرة العرب وتكلم بلسانهم فهو منهم انتهى فقوله عدنان وقحطان إشارة إلى قسمي العرب العارية والمستعربة وكناية عن جميعهم، وعدنان أبو معدّ أحد أجداده ﷺ، وإضافة الفصاحة إلى عدنان، والبلاغة إلى قحطان إمّا تفنن أو بناء على المتعارف من إطلاق الفصاحة على الكلام العذب السهل، والبلاغة المتين الجزيل، وهو الغالب في اللغة القديمة، والإضافة لهما لأنهما من أولادهما أو لأنهما أريد بهما القبيلة كما يقال تميم لأولاده، وهو مجاز مشهور، ثم إن المراد بالفصحاء هنا ما يشمل البلغاء، والشيخ في الدلائل كثيرًا ما يستعمل الفصاحة بمعنى البلاغة فلا يقال إن الفصاحة لا دخل لها في الإعجاز مع ما يرد عليه من المنع الظاهر قوله: (حتى حسبوا الخ) السحر كل ما لطف ماخذه ورق وما يخيل شيأ ليس بواقع واقعًا وفعله سحر مخففًا ومشدّدا وقد يمدح به نحو إنّ من البيان لسحرا على أحد الوجهين فيه وحسبوا بمعنى ظنوا، وقد يرد بمعنى اليقين نادرًا كقوله:
~ حسبت التقى والجود خير تجارة
وليس بمراد هنا، وفيه إشارة إلى أنه ظن فاسد، وتوهم كاسد إذ ليس عجزهم لسحر
ونحوه وحسبانهم لعدم الفرق بين المعجزة والسحر وسيأتي تحقيقه وليس في هذا إشعار
بالصرفة لأن جعل المانع عن الإتيان بمثله السحر يشعر بأن لهم قدرة في حد ذاتهم، ولذا قيل
إن إظهار الحسبان لدفع الخجالة والتليس على سفهائهم لعلمهم بأنه ليس بساحر وان نسبوه له
مكابرة وعنادا، ولو اعترفوا بصرف الله عن معارضتة اعترفوا بأنه من عنده فمثل هذا الخيال
الفارغ لا يضرّنا، وقيل في عبارة الحسبان ردّ على معتقدي الصرفة لدلالتة على أنه مجرّد توهم
وفيه نظر
1 / 6