والبشارة ما هو بطريق التعيين مثل فلان يدخل الجنة وفلان يدخل النار، فلا عموم في شيء منهما وإلا فهما سيان في العموم نحو من اتصف بكذا يثاب، أو يعاقب فليس بشيء إذا المراد الثاني والعصاة، والكفرة من حيث العصيان والكفر منذرون غير مبشرين بلا شبهة، وتحقيق الحمد ومعنى العالمين سيأتي في محله، ولام ليكون تعليلية، وهو ظاهر على رأي من جوّز تعليل أفعاله تعالى، ومن منعه يقول لها ثمرات وحكم نزلت منزلة العلل أو هي لام العاقبة، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى قوله: (فتحذّي الخ) التحدّي طلب المعارضة ويكون بمعنى المعارضة نفسها كما صرّح به أهل اللغة لكنه غير مناسب هنا كما توهم إلا بتعسف لا حاجة إليه وأصله من الحداء، وهو التغني لحث الإبل على سرعة السير، ثم توسعوا فيه وصار حقيقة لما مرّ، ولذا قيل إن فيه إيماء إلى اختصاصه بالإنس بل العرب لأنهم أصحاب إبل فيكون تمهيدا لما بعده، وجملة تحدّي لا تحتاج إلى رابط وإن عطفت على جملة الصلة، وكان الضمير فيها عائدا إلى العبد كما هو الظاهر لتكلف عوده إلى القرآن من غير حاجة إليه إذ الفاء تجعلهما كجملة واحدة، فيكتفي بالضمير الواقع في إحداهما مثل الذي يطير الذباب فيغضب عمرو كما قرّره النحاة سواء قلنا الفاء سببية فقط، أو سببية وعاطفة كما ارتضاه الرضى فإن كان الضمير لله فهو ظاهر، والتحدّي كما ينسب للنبيّ ﷺ لقوله: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسورة مِّن مِّثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] وهذا مما لا مرية فيه وإنما الكلام في أنه إن أريد بالقرآن المجموع لم يصح دخول الفاء لأنّ التحدّي لم يكن بعد نزول المجموع وإن لم يرد لم يصح رجوع الضمير في من سورة إليه إذ هي بعض من الأوّل دون الثاني، كما في بعض الحواشي، وقد أجيب عنه بوجوه:
الأوّل: أنّ المراد المجموع لكنه تجوّز به عن الإرادة كما في قوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ [المائدة: ٦] ولا يلائمه ما بعده لأنّ الإنذار بما نزل لا بما أريد إنزاله اللهمّ إلا أن يقال إرادة إنزال الكل لا تنافي إنزال مقدار يتحدّى به وينذر ولا يظهر أيضًا كونه محمودا عليه، وإن كان الأمر فيه سهلًا.
الثاني: أنّ المراد به الثاني والتفريع باعتباره، وإرجاع الضمير إليه باعتبار المجموع استخدامًا، ولا يخفي ما فيه، فإنّ المقام لا يناسبه، وإرجاع الضمير إليه لأنه من جنسه كعندي درهم، ونصفه أقرب وإن قيل إنه استخدام أيضًا.
الثالث: أنّ الفاء للترتيب الرتبيّ لا الوجوديّ كما في يرحم الله المحلقين فالمقصرين لأنّ التنزيل أعلى وأشرف رتبة من التحدّي لأنه من أعظم النعم في هداية المؤمنين ولذا جعل محمودًا عليه أو للترتيب في الوجود لكنه بالنسبة إلى إنزال بعض القرآن لكون التحدي في أثناء التنزيل قاله الفاضل الليثيّ في حواشيه، ثم اعترف ببعده ونوّره بقوله وهو وان كان بحسب الظاهر بعيدًا لكنهم اعتبروا مثله فإنهم ذكروا أنّ المعطوف إذا كان ذا أجزاء تحصل بتمامه في زمان طويل جاز عطفه بالفاء إذا كان أوّل أجزائه متعقبا وجاز عطفه بثم نظرا إلى تمامه، وعلى هذا إذا كان المعطوف عليه كذلك والمعطوف متعقبًا لآخره جاز الفاء نظرا إلى آخره وثم نظرًا لأوّله كما قرّره التفتازاني في " شرح المفتاح " في قوله: فأصح ثم اختل في الالتفات، وان ردّه الشريف، فدل على أنّ تراخي المعطوف لا يجب أن يكون عن جميع المعطوف عليه بل يجوز أن يكون مجتمعًا مع بعض أجزائه متراخيا عن بعض فلا يبعد تجويز مثله في التعقيب والمقصود مجرّد التمثيل لاعتبارهم في الترتيب بين المعطوف والمعطوف عليه بعض الأجزاء، ولا ينافي ذلك الاعتبار تعقيب الأمر الممتدّ المتعقب أوّل أجزائه بالمعطوف عليه، ووصفه بكونه عقيبه لأنه كذلك حقيقة، أو في العرف نظرًا إلى عدم تخلل زمان بين زمان وجوده وزمان المعطوف عليه بخلاف ما ذكرنا لأنا نذعي أنّ ذلك متعارف.
والرابع: أنّ المراد بالقرآن الجنس من حيث الوجود لا المجموع ولا المفهوم الكلي،
وهو أقرب إذ به يصح التفريع وعود الضمير بلا تكلف وتأوّل، لكنه لا يخلو عن نظر وكون المتحدي به اقصر سورة يؤخذ من التنوين في قوله تعالى: ﴿فَأْتُواْ بِسورة مِّن مِّثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] وقوله من سوره احتراز عن سور غيره من الكتب السماوية، فإن فيها سورا أيضًا كما صرّحوا به. قوله: (مصاقع الخطباء (جمع خطيب وهو من يأتي بالخطبة وهي الكلام البليغ المقول على رؤوس الأشهاد وأن لم يكن على الوجه المتعارف الآن، ولا يشترط فيه السجع أيضًا كما توهم والمصقع
1 / 4