دليل الحظر أن الفعل تصرف في ملك الله بغير إذنه، إذ العالم أعيانه ومنافعه ملك له تعالى.
ودليل الإباحة أن الله تعالى خلق العبد، وما ينتفع به، فلو لم يبح له كان خلقهما عبثا، أي خاليا عن الحكمة. ووجه الوقف عنهما تعارض دليلهما. وأشار بقوله «لهم» أي للمعتزلة إلى ما نقله عن القاضي أبي بكر الباقلاني،
المحشي: قوله: «لعموم دليله» متعلق ب «قضائه» لا ب «اختلف» بقرينة قوله قبل: «فإن لم يقض العقل في بعض منها لخصوصه».
قوله: «دليل الحظر» إلى آخره، إنما لم يتعرض لإبطال أدلة الأقوال الثلاثة، على عادته، في نظيرها للعلم به مما مر له، فإنه ذكر احتجاج الأئمة على انتفاء الحكم قبل البعثة، بانتفاء لازمه حينئذ بنص القرآن، فاقتضى ذلك بطلان دليلي الحظر والإباحة، اللازم منه بطلان دليل الوقف، وهو التعارض بينهما لانتفائه حينئذ .
الشارح: من أن قول بعض فقهائنا، أي كابن أبي هريرة بالحظر، وبعضهم بالإباحة في الأفعال قبل الشرع، إنما هو لغفلتهم عن تشعب ذلك عن أصول المعتزلة، للعلم بأنهم ما اتبعوا مقاصدهم، وأن قول بعض أئمتنا، أي كالأشعري فيها بالوقف مراده به نفي الحكم فيها، أي كما تقدم.
المحشي: قوله: «للعلم بأنهم ما اتبعوا مقاصدهم» تعليل لقوله «إنما هو لغفلتهم عن تشعب ذلك عن أصول المعتزلة».
قوله: «وأن قول بعض أئمتنا» معطوف على «أن قول بعض فقهائنا».
قوله: «كما تقدم» أي في الكلام على قول المحشي: «ولا حكم قبل الشرع، بل الأمر موقوف إلى وروده».
حكم تكليف الغافل والملجأ
صاحب المتن: والصواب امتناع تكليف الغافل والملجأ
الشارح: «والصواب امتناع تكليف والملجأ» أما الأول وهو من لا يدري، كالنائم والساهي، فلأن مقتضى ...
المحشي: قوله: «والصواب امتناع تكليف الغافل» أي استحالته عقلا. ولم يستثن منه ما استثناه بعضهم، من تكليف العبد بمعرفة الله مع غفلته عنه، وإلا لزم تحصيل الحاصل، وهو محال، لأنه مردود، بأن الحاصل المعرفة الإجمالية، والمكلف به المعرفة التفصيلية، وبأن شرط التكليف إنما هو فهم المكلف له، بأن يفهم الخطاب قدر ما يتوقف عليه الامتثال، لا بأن يصدق بتكليفه، وإلا لزم الدور، وعدم تكليف الكفار، وهو هنا قد فهم ذلك، وإن لم يصدق به. وشمل كل من الغافل وتفسيره ب «من لا يدري» السكران تعديا، فيقتضي أنه غير مكلف، وهو كذلك كما جزم به النووي كغيره.
الشارح: التكليف بالشيء الإتيان به امتثالا، وذلك يتوقف على العلم بالتكليف به، والغافل لا يعلم ذلك، فيمتنع تكليفه، وإن وجب عليه بعد يقظته ضمان ما أتلفه من المال، وقضاء ما فاته من الصلاة في زمان غفلته، لوجود سببهما.
المحشي: ونقله عن أصحابنا وغيرهم من الأصوليين، وما نقل عن نص الشافعي من أنه مكلف، ممنوع وإنما هو من تصرف الناقل له بحسب ما فهمه، وما نقل عن غيره من ذلك مؤول، بأنه مكلف حكما، لجريان أحكام المكلفين عليه، وليس هو من قبيل التكليف، لعدم فهمه ، بل هو من قبيل ربط الأحكام بالأسباب، تغليظا عليه، لتسببه في إزالة عقله بمحرم قصدا. وعبر كغيره بالتكليف مع قصوره على الواجب والحرام، لأنه الأصل، كما مرت الإشارة إليه في تعريف الحكم، ولو عبروا بدله بتعلق خطاب غير وضع لم يحتاجوا إلى اعتذاره. قوله: «امتثالا» هو افتعال من امتثل أمره إذا احتذاه أي اقتدى به. قاله الجوهري.
الشارح: أما الثاني وهو من يدري، ولا مندوحة له عما ألجئ إليه، كالملقى من شاهق على شخص يقتله، لا مندوحة له عن الوقوع عليه القاتل له، فامتناع تكليفه بالملجأ إليه، أو بنقيضه، لعدم قدرته على ذلك، لأن الملجأ إليه واجب الوقوع، ونقيضه ممتنع الوقوع، ولا قدرة على واحد من الواجب والممتنع.
وقيل بجواز تكليف الغافل والملجأ، بناءا على جواز التكليف بما لا يطاق، كحمل الواحد الصخرة العظيمة.
পৃষ্ঠা ২০