بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله المعصومين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
পৃষ্ঠা ১৮
[تعريف الاستصحاب] [قوله]: استصحاب الحال.
[أقول]: الاستصحاب لغة: الملازمة، واستصحاب الشئ: أخذه مصاحبا، فعن الصحاح: " كل شئ لازم شيئا فقد استصحبه " (1)، وعن القاموس: " إستصحبه: دعاه إلى الصحبة ولازمه " (2)، وعن المجمع:
" إستصحبه: لازمه، واستصحبت الكتاب: حملته على صحبتي " (3).
وفي اصطلاح الأصوليين قد يطلق على ما حاصله: إبقاء ما كان على ما كان - كما يظهر من تعاريف جلهم له - وقد يطلق على نفس الكلية
পৃষ্ঠা ১৯
المأخوذة من العقل أو الاخبار، كما في قولهم: الاستصحاب حجة أم لا؟
قال العضدي: " معنى استصحاب الحال: أن الحكم الفلاني قد كان ولم يظن عدمه، وكل ما كان كذلك فهو مظنون البقاء، وقد اختلف في صحة الاستدلال به " (1) انتهى. فعرفه بنفس القضية الكلية، فتأمل (2).
وقال السيد صدر الدين في شرح الوافية - عند تعريف الماتن للاستصحاب بأنه التمسك بثبوت ما ثبت -: " هذا التعريف كأكثر التعاريف لا يخلو عن مسامحة، لان الاستصحاب هو المتمسك به، وليس هو التمسك أو الاثبات أو مشاكلهما (3) " ثم قال بعيد هذا: " ولقد عبر شارح المختصر عن المبحث بما هو أوضح من تعبير غيره " (4) فنقل ما نقلناه عنه، فتأمل.
والحق أن كلا من الاطلاقين إطلاق حقيقي في عرفهم، فإن الظاهر أن لفظ " الاستصحاب " نقل إلى الابقاء الخاص، وبهذا الاعتبار اخذ منه المشتقات - كقولهم: يستصحب ومستصحب - وإلى الكلية المشهورة.
فتعريفه بكل من المعنى المصدري والقاعدة تعريف له بالمعنى الحقيقي.
ثم هل حقيقيته في المعنيين اتفقت في مرتبة واحدة؟ بأن استعمل لفظ " الاستصحاب "، من أول الامر في كل من المعنى المصدري والقاعدة حتى صار حقيقة فيهما، أو على الترتيب؟ بأن صار حقيقة في المعنى المصدري ثم صار حقيقة في القاعدة، وجهان، الظاهر: الثاني، وعليه: فهل صيرورته (5)
পৃষ্ঠা ২০
حقيقة في القاعدة مع بقائه على الحقيقية في المعنى المصدري، حتى يكون اللفظ مشتركا تعينيا فيهما؟ أو مع هجره عن المعنى المصدري، حتى يكون منقولا عنه إلى القاعدة، فوقع في لفظ " الاستصحاب " عند أهل الأصول نقلان مرتبان؟
يحتمل الأول، نظرا إلى أصالة عدم الهجر، مضافا إلى تبادر المعنى المردد بين المعنيين من لفظ " الاستصحاب "، وهو أمارة الاشتراك اللفظي.
ويحتمل الثاني، نظرا إلى ترجيح المجاز على الاشتراك، مضافا إلى ندرة المشتركات التعينية.
والأقوى الأول، للأصل والتبادر المذكورين.
وأما ترجيح المجاز على الاشتراك: فإن كان مستنده أصالة عدم الوضع، فقد عرفت أن الأصل هنا على الخلاف، لان الأصل بقاء آثار الوضع، وبعبارة أخرى: ترجيح المجاز على الاشتراك إنما هو عند الشك في حدوث الحقيقية لا في بقائها، وما نحن فيه من قبيل الثاني.
وإن كان مستنده غلبة المجاز على الاشتراك، ففيه: أنها - على مرجوحيتها بالنسبة إلى التبادر الذي ذكرنا - معارضة في المقام بغلبة أخرى، وهي: أن الغالب في المعاني العرفية - سيما الخاصة - عدم هجرها في ذلك العرف، فتأمل. وهذه إن لم تقدم على تلك - من جهة أنها أخص بالنسبة
পৃষ্ঠা ২১
إليها - فلا أقل من التعارض الموجب للتساقط، فليرجع إلى الأصل الذي ذكرنا.
وبهذا يذب أيضا عما ذكر أخيرا: من ندرة المشتركات التعينية، فتأمل.
ثم إن كون هذه الكلية من الأدلة، على فرض استفادتها من العقل واضح، لان الأدلة العقلية - على ما صرح به بعضهم (1) - هي القواعد التي أسسها العقل.
وأما على فرض استفادتها من الاخبار، فالظاهر أنها قاعدة مستفادة منها - كسائر القواعد المستفادة من الأدلة، مثل قاعدة نفي الضرر، وقاعدة نفي الحرج، وقاعدة حمل فعل المسلم على الصحة، وغيرها - لا أنه دليل كالكتاب والاجماع.
ويؤيد ذلك أن الشهيد في قواعده عبر عنه ب " قاعدة اليقين " (2).
وتعبيرهم في عناوينهم بقولهم: " الاستصحاب حجة أم لا " وإطلاق الدليل عليه، إما جري على ممشى القدماء - حيث تكلموا في كونها من الأدلة العقلية - وإما مسامحة، ومرادهم: أن هذه القاعدة معتبرة ومأخوذة من دليل أم لا؟
وعلى فرض الدليلية فهو دليل مستقل، لا أنه داخل في السنة، لاخذه منها، كما يظهر من المصنف أعلى الله مقامه في أول الكتاب حيث قال رحمه الله بعد ذكر الأدلة الأربعة: " وأما الاستصحاب فإن أخذ من الاخبار فداخل في السنة، وإلا في العقل " (3). إذ لا يخفى أن كل دليل ثبت حجيته بدليل فلا يدخل هذا
পৃষ্ঠা ২২
الدليل الثابت الحجية في عنوان الدليل المثبت لحجيته، فلا يقال في الخبر الواحد - على تقدير استفادة حجيته من الكتاب -: إنه داخل في الكتاب.
ثم: إن مسألة الاستصحاب هل هي من المسائل الأصولية، أو الفرعية، أو قاعدة مشتركة كلية يدخل فيها المسائل الأصولية والفرعية، بل وغيرها؟
لا سبيل إلى الاحتمال الأوسط.
وأما الأول والثالث: فالظاهر أنه إن جعلنا الاستصحاب من الأدلة فيتعين الأول منهما، وإن جعلناه من القواعد فالظاهر الثالث، ولكن المقام بعد يحتاج إلى تأمل تام، فإن تشخيص المسائل الأصولية وتمييزها عن غيرها من مزال الاقدام، ومزالق الافهام، ومتشاجر الاعلام.
[قوله] قدس سره: " هو كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق، مشكوك البقاء في الآن اللاحق ".
[أقول]: يرد عليه أمور:
الأول: أن الاستصحاب - على ما عرفت سابقا - هو: إما الابقاء والاثبات وما شاكلهما، أو القاعدة. وأما نفس " كون الشئ يقينيا في الآن السابق مشكوكا في الآن اللاحق " فهو ليس باستصحاب، بل هو مورده ومحله.
قال في المعالم: " اختلف الناس في استصحاب الحال، ومحله أن يثبت حكم في وقت ثم يجئ وقت آخر ولا يقوم دليل على انتفاء ذلك الحكم، فهل يحكم ببقائه على ما كان؟ وهو الاستصحاب " (1) انتهى.
পৃষ্ঠা ২৩
فانظر كيف جعل رحمه الله ما جعله المصنف نفس الاستصحاب، محلا له!
وجعل الاستصحاب عبارة عن الحكم ببقاء هذا المتيقن سابقا المشكوك لاحقا، لا نفس كونه متيقنا سابقا مشكوكا لاحقا!
والحاصل: أن المتصدين لتعريف الاستصحاب طرا بين معرف له بما يرجع حاصله إلى إبقاء ما كان على ما كان - وهم الأكثرون - وبين صرف له بنفس القاعدة، كما اختاره شارحا الوافية (1) والمختصر (2).
اللهم إلا أن يؤول كلام المصنف بما يرجع - بالآخرة - إلى ما عرفه به الأولون، أو يوجه تعريف الآخرين على وجه ينطبق معه تعريف المصنف.
أما الثاني: فسيأتي عند نقل المصنف لتعريف العضدي (3).
وأما الأول، فبأن يقال: إن لفظة " الكون " تامة بمعنى الثبوت، وقوله:
" يقيني الحصول في الآن السابق، مشكوك البقاء " - بالجر - صفتان لقوله:
" حكم أو وصف "، وقوله: " في الآن اللاحق " متعلق بالكون.
هذا كله مع جعل الاستصحاب المحدود مصدرا مبنيا للمفعول مضافا إلى النائب عن الفاعل، فيصير المعنى: أن استصحاب الحال - أي مستصحبيته - هو ثبوت الحكم أو الوصف الكذائي في الآن اللاحق، فإن الاستصحاب بالمصدر المبني للفاعل لما كان هو إثبات الحكم الكذائي في الآن اللاحق، كان بالمصدر المبني للمفعول ثبوت الحكم الكذائي في الآن اللاحق، وهذا بعينه هو الذي أراده القوم، إلا أنهم عرفوا الاستصحاب بالمصدر المعلوم الذي هو فعل الشخص، والمصنف عرف الاستصحاب الذي هو صفة
পৃষ্ঠা ২৪
للحال.
لكن هذا التأويل بعيد، ونسبة الخطأ إلى المصنف أبعد.
الثاني: أن الظاهر تعلق الظرف أعني: " في الآن السابق " باليقيني، وكذا تعلق قوله: " في الآن اللاحق "، بالمشكوك، فيصير المعنى: أن الاستصحاب هو أن يتيقن في الآن السابق بحصول حكم أو وصف ويشك في الآن اللاحق في بقائه.
وهذا التعريف مختل عكسا وطردا.
أما الأول: فلانه لا يعتبر في الاستصحاب أن يتيقن في السابق بشئ ويشك في الزمن اللاحق، بل ربما يحصل اليقين والشك في الزمان اللاحق، كما إذا قطعنا الآن بحياة زيد أمس وشككنا في هذا الآن بموته، فإنه محل الاستصحاب قطعا، مع أنه لا يحصل اليقين في السابق بشئ. وربما يحصل اليقين والشك في الآن السابق، كما إذا قطعنا الآن بحياة زيد وشككنا الآن أيضا في موته غدا، فإنه محل الاستصحاب، مع أنه لم يحصل الشك في الآن اللاحق.
وأما الثاني: فلانه يدخل في الحد ما إذا قطعنا في السابق بدخول زيد في الدار، ثم في الآن اللاحق شككنا في دخوله السابق، أنه في السابق دخل أو لم يدخل، وإنما كان قطعنا جهلا مركبا، وعلى فرض الدخول فهل هذا الدخول باق أم مرتفع؟ فيصدق على هذا " أنه تيقن في السابق بشئ وشك في اللاحق في بقائه " مع أنه ليس باستصحاب قطعا، وسيأتي تفصيل ذلك.
اللهم إلا أن يجعل قوله : " في الآن السابق " متعلقا بالحصول لا باليقيني، وكذا قوله: " في الآن اللاحق " متعلقا بالبقاء، فيصلح الطرد والعكس.
পৃষ্ঠা ২৫
ويمكن أن يصلح الطرد أيضا، بأن نقول: المتبادر من " الشك في البقاء " هو أن يكون الحدوث يقينيا والشك في البقاء والارتفاع، بأن يكون للشك طرفان: بقاء الشئ وارتفاعه، لا أن يشك في الحدوث والبقاء كليهما، بأن يكون للشك أطراف ثلاثة: عدم حدوثه أصلا، وحدوثه مع بقائه، وحدوثه مع ارتفاعه.
الثالث: أن المراد بالشك في قوله: " مشكوك البقاء " إن كان هو الاحتمال المساوي فيلزم اختلال التعريف عكسا، لان صورة مرجوحية البقاء يجري فيها الاستصحاب على مسلك المصنف ومن وافقه في استفادة اعتبار القاعدة من الاخبار، والحال أنه يخرج عن التعريف، بل يلزم اختلاله طردا أيضا، إذ يدخل فيه ما إذا وجد دليل تعبدي لا يرفع الشك الواقعي على خلاف الحالة السابقة، فإنه يصدق عليه التعريف، مع أنه ليس باستصحاب، لأنه مأخوذ فيه " عدم الدليل على انتفاء الحالة السابقة " كما تقدم في عبارة المعالم (1).
وإن كان هو الاحتمال المطلق - مساويا أو راجحا أو مرجوحا - فيلزم الاختلال الطردي فقط، إذ يدخل فيه ما إذا قام ظن معتبر على الخلاف، فإنه يصدق عليه الحد، مع أنه ليس باستصحاب.
والقول بأن الظن المعتبر بمنزلة القطع - بل هو قطع في مرحلة الظاهر - لا يجدي فيما نحن بصدده، لأنه لا يرفع الاحتمال الواقعي الموهوم.
الرابع: أن التعريف غير منعكس، لخروج الاستصحاب القهقري، فإنه وإن لم يكن حجة إلا أنه لا يخرج بذلك عن اسم الاستصحاب.
পৃষ্ঠা ২৬
اللهم إلا أن يمنع صدق اسم الاستصحاب عليه في الاصطلاح وإن أطلق عليه لغة، فان القدر المتيقن من المعنى المنقول إليه هو " إثبات ما ثبت في السابق، في اللاحق " ويعبر عنه بالابقاء، لا " إثبات مطلق ما ثبت في زمان، في زمان آخر " وكما أن الأوضاع الأولية توقيفية، فكذلك الأوضاع الثانوية يقتصر فيها على القدر المتيقن.
مضافا إلى أنه يمكن إدعاء العلم بعدم كونه استصحابا في الاصطلاح من جهة تبادر الغير وصحة السلب، فتأمل.
والأولى في تعريف الاستصحاب، أن يقال: إنه إبقاء ما ثبت في زمان في ما بعده مع عدم الدليل.
والقيد الأخير للتنبيه على أن عدم الدليل مأخوذ في مفهوم الاستصحاب، كما صرحوا به، لا أنه معتبر في اعتباره، كما يظهر من بعض (1) حيث عده من شروط العمل بالاستصحاب، إلا أن يرجع إلى ما ذكرنا.
ثم، إن المراد بالدليل المعتبر عدمه في الاستصحاب، هو مطلق ما يزيل الشك في مرحلة المواقع أو الظاهر " ولو كان استصحابا آخر، فعند تعارض استصحابين يكون أحدهما - باعتبار مستصحبه - رافعا للشك في الاخر ومزيلا له، لا يجري الاستصحاب المزال في الحقيقة، لا أنه يجري ولكنه يطرح لمكان المعارضة.
كما أن تقديم المزيل من جهة أنه سليم عن المعارض، لا لأنه أقوى من معارضه، فإذا غسل ثوب متنجس بالماء المستصحب الطهارة، أو لاقى ثوب طاهر للماء المستصحب النجاسة، فلا يجري استصحاب نجاسة الثوب في
পৃষ্ঠা ২৭
الأول، ولا استصحاب طهارته في الثاني. وسيوضح لك هذا في مبحث تعارض الاستصحابين (1) بما لا مزيد عليه، فانتظر.
قوله قدس سره: " والمراد بالمشكوك أعم من المتساوي الطرفين، ليشمل مظنون البقاء وغيره، وإن كان مراد القوم هنا هو الاحتمال المرجوح في الواقع ".
[أقول]: لا شك أن الشك الذي أخذه من أخذه من القوم في تعريف الاستصحاب، هو الشك الذي يكون من أركان الاستصحاب ومحققا لمورده، ويعبرون عنه بالشك البدوي، فلا ضير في أن يريدوا به الاحتمال المساوي، فإنه إنما يصير راجحا بملاحظة الاستصحاب، كما في إلحاق المشكوك بالأعم الأغلب.
ثم لو سلمنا أن المراد به الاحتمال بعد ملاحظة الاستصحاب، فلا يخفى أن مرادهم هو الاحتمال الراجح لا المرجوح، إلا أن يضاف إلى الارتفاع لا البقاء، لكن المصنف في مقام تفسير المضاف إلى البقاء، فتأمل.
[قوله] قدس سره: " لان بناءهم في الحجية على حصول الظن ".
[أقول]: هذا هو الظاهر من أكثر استدلالاتهم، ولكن لا يظهر من بعضها الاخر إناطة الاعتبار على الظن، مثل ما استدل به المحقق في المعارج من " أن المقتضي للحكم الأول ثابت، والمعارض لا يصلح رافعا... إلى آخر الدليل (2). فراجعه.
ثم إن حجيته عند هؤلاء، هل هي من باب مطلق الظن، أو من جهة
পৃষ্ঠা ২৮
قيام الدليل الخاص من الشارع على اعتباره، وبعبارة أخرى من باب الظن المخصوص؟
يظهر من جمهورهم: الأول، ومن نادر منهم: الثاني، حيث قال - بعد الاستدلال على الحجية بما حاصله: " إن الاستصحاب مفيد لرجحان البقاء، والعمل بالراجح واجب "، مجيبا عما أورد عليه: من أنه إن أريد أن العمل بمطلق الراجح واجب فهو ممنوع، للأدلة الناهية عن العمل بغير العلم، وإن أريد أن العمل بهذا الراجح الخاص واجب فما الدليل عليه؟ - ما حاصله:
" إن العمل بهذا الراجح الخاص واجب للاخبار الواردة في الباب... فذكر بعضها " (1).
ثم على التقديرين: هل اعتباره مشروط بحصول الظن منه في أشخاص الوقائع، أو يكفي فيه كونه مفيدا للظن من حيث الطبيعة؟ يعني أنه لو خلي وطبعه يفيد الظن، فلا يقدح في ذلك التخلف لامر خارجي، كما في الخبر الصحيح، فإنه قد لا يفيد الظن، كما إذا عارضه قياس.
وبعبارة أخرى: هل يكون حجيته من باب الظن الشخصي كالشهرة والاستقراء والأولوية الاعتبارية - على القول باعتبارها -، أو من باب الظن الطبعي، كالخبر الصحيح؟
وتظهر الثمرة في ما إذا عارضه قياس أو غيره من الظنون الغير المعتبرة، فتأمل.
الظاهر من كلماتهم: الأول، كما هو صريح المصنف هنا. وممن صرح بذلك شيخنا البهائي طاب ثراه. في الحبل المتين، فقال - في مسألة " من تيقن
পৃষ্ঠা ২৯
الطهارة وشك في الحدث " بعد كلام له في تقرير الاستصحاب - ما هذا لفظه:
" ثم لا يخفى أن الظن الحاصل بالاستصحاب - في من تيقن الطهارة وشك في الحدث - لا يبقى على نهج واحد، بل يضعف بطول المدة شيئا فشيئا، بل قد يزول الرجحان ويتساوى الطرفان، بل ربما يصير الطرف الراجح مرجوحا - كما إذا توضأ عند الصبح مثلا وذهل عن التحفظ، ثم شك عند الغروب في صدور الحدث منه، ولم يكن من عادته البقاء على الطهارة إلى ذلك الوقت - والحاصل: أن المدار على الظن، فما دام باقيا فالعمل عليه وإن هذا ، ثم قال: " وقد ذكر العلامة في المنتهى: أن من ظن الحدث وتيقن الطهارة لا يلتفت، لان الظن إنما يعتبر مع اعتبار الشارع له، ولان في ذلك رجوعا عن المتيقن إلى المظنون " (1)، انتهى.
ثم قال: " وفيه نظر يعلم به المتأمل في مما تلوناه " (2)، انتهى.
أقول: ولعل نظر العلامة إلى الأخبار الواردة في من تيقن الطهارة ولم يتيقن الحدث، فإنها عامة للشاك والظان، وليس مدرك المسألة منحصرا في الاستصحاب المفيد للوصف، فإن من مداركها قوله عليه السلام في موثقة بكير بن أعين: " إذا استيقنت أنك أحدثت فتوضأ، وإياك أن تحدث وضوء حتى تستيقن أنك قد أحدثت " (3) وغيرها من الاخبار.
هذا، ومما يؤيد ذلك: أن العلامة في المنتهى قد استدل أولا على أن من ظن الطهارة وشك في الحدث فهو متطهر، بالاخبار مثل صحيحة زرارة
পৃষ্ঠা ৩০
وغيرها.
ومما يؤيد الاحتمال الأول - أيضا -: أن جملة من هؤلاء فرضوا - في استدلالهم على إفادة الاستصحاب للظن - عدم الظن بارتفاع الحال السابق.
قال شيخنا المتقدم - في أثناء الاستدلال -: " إن العاقل إذا التفت إلى ما حصل بيقين ولم يعلم ولم يظن طرو ما يزيله، حصل له الظن ببقائه " (1)، إنتهى.
وبمثل ذلك صرح العضدي (2) وغيره في استدلالاتهم.
ثم على التقادير السابقة إذا عارض الاستصحاب دليل ظني، فهل يعامل معهما معاملة المتعارضين، أم يطرح الاستصحاب؟
يظهر من جملة من مشايخنا المعاصرين (3): الأول، حيث قالوا: " إذا بني على اعتبار الاستصحاب من جهة حصول الظن، فإذا عارضه ظن آخر فلا بد من ملاحظة التعارض والترجيح ".
وهذا (4) إنما يفيد إذا وجدت صورة يكون الاستصحاب مفيدا للظن مع وجود دليل ظني هنا، والظاهر عدم وجود هذه الصورة، بل كلما وجد في مورد الاستصحاب دليل ظني على الخلاف فلا يفيد الاستصحاب ظنا، ولذا أخذوا في الاستدلال على إفادة الاستصحاب للظن: قيد عدم الظن بالخلاف.
نعم، لو استدل على ذلك بالغلبة، وأن الغالب في الموجودات البقاء - كما فعله بعض المحققين (5) - فالانصاف أنه يمكن حصول الظن منه على
পৃষ্ঠা ৩১
خلاف الدليل الظني المعارض له، فإن الظن الحاصل من الغلبة قد يكون أقوى من معارضها، ويصير المعارض موهوما، كما لا يخفى. وستتضح لك هذه المقامات فيما بعد، فانتظر.
[قوله] قدس سره: " إلا أن يدعى أن الاخبار مبتنية على الظن الحاصل... الخ ".
[أقول]: هذا الادعاء أنما يتطرق في الاخبار لو كان موردها مختصا بصورة حصول الظن، وليس كذلك، لأنها بين ناه (1) عن نقض اليقين بغير اليقين، وبين ناه عن نقضه بالشك.
أما عموم الأول، فواضح.
وأما الثاني، فنقول: إن الشك فيها أريد به مطلق الاحتمال، لأنه المتبادر عرفا.
ولولا يكن التبادر، فيكفينا كونه - في اللغة - لمطلق الاحتمال، ونثبت مطابقة العرف معهما بأصالة عدم النقل.
ولو قطعنا بمخالفة العرف، فيرجع الامر إلى تعارض اللغة والعرف.
ولو سلمنا تقديم العرف على اللغة، أو قطعنا بتطابقهما في كونه للاحتمال المساوي، فنقول: لا يضرنا، إذ غاية الامر عدم موافقة هذه الجملة من الاخبار للجملة الأولى، لكن ليس بينهما تعارض يوجب حملا، لأنهما من قبيل العام والخاص المنفيين، كما في قولك: " لا تكرم العلماء "، و " لا تكرم زيدا العالم ".
نعم، قد يتصور التعارض بين مفهوم بعض هذه الجملة مع مناطيق
পৃষ্ঠা ৩২
الجملة الأولى، وهو مقوم الخبر المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: " من كان على يقين فشك، فليمض على يقينه " (1) وبين مفهوم هذا الخبر وتلك المناطيق عموم من وجه، لكن الترجيح مع المناطيق من وجوه:
الأول: أن الظاهر من نفي الشك المأخوذ في المفهوم هو صورة العلم، وليس له ظهور في مورد التعارض وهو الظن.
الثاني: أنه على فرض الظهور فهو ظهور إطلاقي، لا يعارض الظهور العمومي، وبعبارة أخرى: التقييد أولى من التخصيص.
الثالث: أنه مفهوم، وهو لا يعارض المنطوق.
الرابع: أنه واحد، والمناطيق كثيرة.
الخامس: أن من عمل بالاستصحاب لم يفرق بين حصول الظن على الخلاف وعدمه، وبعبارة أخرى: عمل بالمناطيق وطرح المفهوم.
هذا كله مضافا إلى أمور اخر.
[قوله] قدس سره: " لان ما يفعل في الوقت فهو بحسب الامر ".
[أقول]: إن أراد من " الامر " الدليل الدال على التكليف، ففيه: أنه قد يكون شموله للآن الثاني غير معلوم، مثلا قام الاجماع على وجوب شئ وشك في توسعته وتضييقه، وعلى فرض العلم بشموله فقد يقع الشك في كون شئ غاية ومزيلا له. وعلى فرض العلم بالغاية والمزيل، فقد يقع الشك في حدوثه.
ففي هذه الصور أين الدليل الدال على ثبوت الحكم في الآن الثاني،
পৃষ্ঠা ৩৩
حتى يجب الامتثال بحسبه؟
وإن أراد من " الامر " نفس التكليف الموجود سابقا، ففيه: أن القائل بالاستصحاب لا يقول بأن الاستصحاب محدث للحكم الشرعي ومنشئ له في الآن الثاني، بل يقول: إن التكليف الموجود سابقا المشكوك في بقائه من الجهات السابقة باق من حكم الاستصحاب، فإذا كان باقيا فلا بد من امتثاله، فهذا الامتثال ليس إلا للتكليف السابق.
وسيجئ تمام الكلام معه إن شاء الله تعالى.
[قوله] قدس سره: " إذ الشك قد يحصل في التكليف في الموقت، كمن شك في وجوب إتمام الصوم لو حصل له المرض في أثناء النهار " وأنه هل يبيح الفطر، أم لا؟ " [أقول]: لا يقال: إن الحكم بوجوب الصوم ليس من جهة استصحاب وجوبه أو من جهة استصحاب حرمة الافطار، بل إنما هو من جهة بقاء شرط الصوم أو عدم حدوث المانع، فيثبت وجوب الصوم تبعا، وسيأتي أن هذا القائل يقول بالاستصحاب في الأمور الوضعية - كالأسباب والشروط والموانع - فيثبت الاحكام الطلبية تبعا لها.
لأنا نقول: استصحاب بقاء الشرط، أو عدم المانع لا يجري هنا، فإن حكم بوجوب الصوم فليس إلا من جهة استصحاب نفس الوجوب وحرمة الافطار.
أما وجه عدم جريان استصحاب الشرط، فلانه لا شك أن هذا الشخص قد ارتفعت عنه حالة قطعا، وبقيت له حالة، بل حالات، ولا يعلم أن الشرط هو الحالة المرتفعة أو الحالة الباقية، فكما تقول: الأصل بقاء الشرط - يعني الحالة التي هي شرط - فنقول: إن الأصل بقاء غير الشرط،
পৃষ্ঠা ৩৪
مثلا: لو جعل المولى وجود زيد في الدار شرطا لوجوب إكرام عمرو، فخرج شخص من الدار ولا يعلم أنه زيد أو غيره. فلا يمكن التمسك بأصالة بقاء الشرط.
والحاصل: أن الشك في أمثال المقام إنما هو الشك في اتصاف الباقي بالشرطية أو المرتفع، ولا يجري الاستصحاب في الشك في الاتصاف مع القطع بارتفاع أمر مردد بين الموصوف وغيره.
فجرى استصحاب الشرط هو: ما إذا وقع الشك في أصل البقاء والارتفاع، لا في أنه الباقي أو غيره، ففي المثال المذكور، لو شككنا في خروج زيد من الدار مع عدم القطع بخروج شخص مردد، لحكمنا باستصحاب الشرط.
ومن هذا علم وجه عدم جريان استصحاب عدم المانع، لان المفروض هو وجود شئ وهو المرض، وشككنا في مانعيته، نظير ما إذا وقع الشك في أن المذي - الموجود يقينا - هل هو مانع أم لا؟ فلا يمكن الحكم بأصالة عدم المانع، لأنه شك في الاتصاف. نعم يجري الاستصحاب في الآثار السابقة كالطهارة وغيرها.
والحاصل: أن في مسألة الصوم لا يمكن التمسك باستصحاب سوى استصحاب وجوب الصوم وحرمة الافطار، ولا يجري استصحاب الشرط ولا عدم المانع، فافهم واغتنم.
ثم إنه يمكن الخدشة في جريان استصحاب وجوب الصوم وحرمة الافطار، نظرا إلى أن التكليف بالصوم - يعني الامساك عن الأمور المخصوصة من أول طلوع الفجر إلى المغرب - تعلقه على الشخص في متن الواقع مشروط بعدم اتفاق مانع من الموانع الشرعية أو العقلية في هذا البين، فاتفاق
পৃষ্ঠা ৩৫
واحد منها في أثناء النهار كاشف عن عدم حدوث التكليف بالصوم ابتداء، لا أنه حدث وارتفع، كما أن المذي على تقدير مانعيته إنما يمنع من بقاء الطهارة، لا حدوثها، فليس هو من هذا القبيل.
فالشك في أن المرض الكذائي مانع عن الصوم أم لا، يرجع إلى الشك في أن التكليف بالصوم مع علم الامر بأنه سيتفق هذا المرض في أثناء النهار، هل حدث أم لا؟ لا إلى الشك في أن ذلك التكليف هل ارتفع بعد الحدوث أم لا؟ حتى يكون من قبيل الشك في مانعية المذي، فإذا رجع الشك إلى الشك في الحدوث، فمقتضى الاستصحاب: عدم الحدوث، وهو عكس المطلوب.
والحاصل: أنه لما كان من الموانع ما يمنع عن حدوث الشئ كالحيض للصوم، ومنها: ما يمنع من بقائه كالبول للطهارة، فكلما شك في كون شئ مانعا بالطور الثاني - كالمذي - فيجري فيه الاستصحاب، لان مرجعه إلى الشك في البقاء.
وكلما شك في كون شئ مانعا على النهج الأول فلا يجري فيه الاستصحاب، لان مرجعه إلى الشك في الحدوث، بل الأصل: عدم الحدوث.
فإن قلعت: لا شك أن هذا الشخص كان قبل عروض المرض مكلفا في مرحلة الظاهر بالصوم وحرمة الافطار، لعدم علمه بأنه سيصير مريضا، فنستصحب هذا التكليف الظاهري.
قلت: لا ريب أن هذا التكليف الظاهري إنما كان لاعتقاده أنه مكلف به في الواقع، والآن قد زال الاعتقاد، فيزول ما كان منوطا به.
نظير ما إذا اعتقدنا أولا بأن هذا المائع خمر، فكان حراما علينا من جهة الاعتقاد، ثم شككنا في أنه نهر أو خل، فلا يمكن استصحاب الحرمة السابقة، لان الحرمة الواقعية مشكوكة الحدوث من أول الامر، والظاهرية
পৃষ্ঠা ৩৬
مقطوعة الانتفاء، لانتفاء مناطها، وهو الاعتقاد.
ونظيره في الأحكام الشرعية: ما إذا حكم المجتهد بحرمة العصير العنبي لدليل، ثم شك في حجية ذلك الدليل، وحصل له تردد فيها في المسألة الأصولية، فحينئذ لا يجوز أن يستصحب الحرمة السابقة.
وتمام الكلام في ذلك سيجئ عند الكلام فيما يتراءى استصحابا وليس باستصحاب، إن شاء الله.
وقد فصل بعض هذا الكلام في مبحث الاجزاء عند الكلام في أن الامر الظاهري العقلي لا يقتضي الاجزاء.
فإن قلت: لعل الشارع حكم في مسألة الصوم بأن المكلف الجامع للشرائط عند أول الوقت يجب عليه الصوم إلى أن يعلم بوجود مانع.
قلت: فعلى هذا لا يحتاج الحكم بوجوب الاتمام إلى الاستصحاب، لان الفرض عدم العلم بالمانع، فيحكم بالوجوب بنفس الحكم الشرعي المذكور.
ثم إنه لو فرضنا مانعية المرض للصوم على نهج رافعية البول للطهارة - بأن يكون المرض عند حدوثه رافعا لوجوب الصوم المتحقق سابقا - أمكن استصحاب الوجوب في ما إذا شك في رافعية مرض.
[قوله] قدس سره: " ثم إن الاستصحاب في الأحكام الوضعية - على ما ذكره المتوهم - لا يجري في كان من قبيل الموقت كالحيض، أو التأبيد والدوام كالزلزلة، ويجري في بعض المطلقات كالتغير بالنجاسة، الذي هو سبب لتنجس الكر، والطهارة التي هي شرط لجواز المضي في الصلاة ".
[أقول]: هذا المتوهم هو الفاضل التوني في الوافية، وعبارته لا تخلو عن اغتشاش، قال - بعد الاستدلال على عدم جريان الاستصحاب في الاحكام الطلبية الابتدائية، بما نقله المصنف بالمعنى هنا -: " وأما الاحكام
পৃষ্ঠা ৩৭