حاشية الخلوتي على منتهى الإرادات
تأليف
العلامة محمد بن أحمد البهوتي الشهير بالخلوتي
المتوفى سنة ١٠٨٨ هـ - رحمه الله تعالى -
تحقيق
الدكتور سامي بن محمد بن عبد الله الصقير
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
بتمويل الإدارة العامة للأوقاف
إدارة الشؤون الإسلامية - دولة قطر
অজানা পৃষ্ঠা
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة / 2
حَاشِيَةُ الخَلوتي على مُنْتَهَى الإرَادَاتِ
مقدمة / 3
حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة
الطبعة الأولى
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
قَامَت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج الفني والطباعة
دَار النَّوَادِر
مقدمة / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة وزارة الأوقاف والشؤن الإسلامية دولة قطر
الحمدُ للَّهِ حمدًا يوافي نعمه، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ خلقه وخاتم رسله.
وبعد:
فإن علماء الإسلام قد خلَّفوا لنا تراثًا علميًّا ضخمًا، متعدد المناحي، وما يزال معظم هذا التراث مخطوطًا لم يرَ النور، ولم يتعرّف عليه الباحثون، رغم ما فيه من المعاني الدقيقة والأفكار العميقة التي تخدم واقعنا المعاصر، وتنير السبل لأمتنا في مجالات الفكر والتشريع والثقافة، ويقدِّر بعض الخبراء أن ما بقي مخطوطًا من تراث علماء الإسلام يربو على ثلاثة ملايين عنوان، تَقبعُ في زوايا المكتبات، وظلام الصناديق والأَقبية، حتى أن بعضها لم يفهرس فهرسةً دقيقةً فضلًا عن النشر. فكان من المهم في هذه المرحلة أن تتَّجه الجهود لتقويم هذا التراث واستجلاء ما ينفع الناس منه في عصرنا، ثم العمل على تحقيقه ونشره.
وإن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر -وقد وفقها اللَّه لأن تضرب بسهم في إحياء هذا التراث- لَتحمد اللَّه ﷾ على أنَّ ما أصدرته من نفائس التراث قد نال الرضا والقبول من أهل العلم في مشارق الأرض ومغاربها.
والمتابع لِحركة النشر العلمي لا يخفى عليه جهود دولة قطر في خدمة تراث الأمة منذ ما يزيد على ستة عقود، وقد جاء مشروع إحياء التراث الإسلامي الذي بدأته الوزارة منذ أربع سنوات امتدادًا لتلك الجهود، وسيرًا على تلك المحجَّة التي عُرفت
مقدمة / 5
بها دولة قطر.
ومنذ انطلاقة هذا المشروع المبارك يسَّر اللَّه -جل وعلا- للوزارة إخراج مجموعة من أمهات كتب العلم في فنون مختلفة تُطبع لأول مرة، ففي تفسير القرآن الكريم أصدرت الوزارة تفسير الإمام العُليمي "فتح الرحمن في تفسير القرآن"، وفي علم الرسم أصدرت كتاب "مرسوم المصحف" للإمام العُليمي، ونحن بصدد إصدارٍ جديد متمينر لـ "المحرر الوجيز" لابن عطية، مقابلًا على نسخ خطية عدة.
وفي السُّنّة أصدرت الوزارة كتاب "التوضيح شرح الجامع الصحيح" لابن الملقن، و"حاشية مسند الإمام أحمد" للإمام السندي، وشرحين لموطأ مالك لكل من القنازعي والبوني، و"شرح مسند الشافعي" للإمام الرافعي، و"نخب الأفكار شرح معاني الآثار" للبدر العيني، إضافة إلى "صحيح ابن خزيمة" بتحقيقه الجديد المُتقن. ويخرج قريبًا بإذن اللَّه كل من "السنن الكبرى" للنسائي، و"صحيح ابن حبان" كما صنَّفه صاحبه على التقاسيم والأنواع. وهناك مشاريع أخرى يُعلن عنها في حينها.
وفي الفقه أصدرت الوزارة: "نهاية المطلب في دراية المذهب" للإمام الجويني الذي حقَّقه وأتقن تحقيقه عضو لجنة إحياء التراث الإسلامي أ. د. عبد العظيم الديب -رحمه اللَّه تعالى- وكتاب "الأوسط" لابن المنذر، بمراجعة دقيقة للدكتور: عبد اللَّه الفقيه عضو اللجنة، وفي الطريق إصدارات أخرى مهمّة تمثِّل الفقه الإسلامي في عهوده الأولى.
وفي السيرة النبوية أصدرت الوزارة الموسوعة الإسنادية "جامع الآثار" لابن ناصر الدين الدمشقي.
وفي العقيدة والتوحيد أصدرت الوزارة كتابا نفيسًا لطيفًا هو "الاعتقاد" لابن العطار، تلميذ النووي رحمهما اللَّه.
مقدمة / 6
ولم نغفل عن إصدار دراسات معاصرة متميزة من الرسائل العلمية وغيرها، فاخرجنا "القيمة الاقتصادية للزمن" و"نوازل الإنجاب" وفي الطريق -بإذن اللَّه تعالى- ما تقرُّ به العيون من دراسات معاصرة في القرآن والسنة، ونوازل الأمة.
ويسرُّنا اليوم أن نقدِّم للمسلمين إصدارًا آخر، هذه المرة في الفقه الحنبلي، وهو "حاشية الخلوتي على كتاب منتهى الإرادات"، و"منتهى الإرادات" من أهم كتب المذهب لدى المتأخرين، وهذه الحاشية من أَنفَس حواشيه، وقد حُقِّقت في رسالتين علميتين رأى صاحباهما إخراجهما كما هما، ولم نمانع من ذلك لأهمية الكتاب.
إدارة الشؤن الإسلامية
* * *
مقدمة / 7
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة الأولي
إن الحمد للَّه، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١].
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١] (١).
أما بعد:
فإن أولى ما يتنافس فيه المتنافسون، وأحرى ما يتسابق في حلبة سباقه المتسابقون، ما كان فيه سعادة العبد في الدنيا والآخرة، ذلك العلم النافع والعمل الصالح، فمن رُزِقهما فقد فاز وغنم، ومن حُرِمهما فالخير كله حُرِم.
وإن العلم الشرعي ومعرفة ما أنزل اللَّه على رسوله ﷺ من الأحكام بأدلتها، وما يترتب عليها من الثواب والعقاب من أفضل ما شُغِلت به الأوقات وصُرِفت إليه العزائم والهمم، فإنه بمعرفة ذلك يكون متعبدًا للَّه على بصيرة، نافعًا للعباد في عباداتهم
_________
(١) انظر: خطبة الحاجة للشيخ الألباني ﵀.
مقدمة / 9
ومعاملاتهم الدقيقة والجليلة.
ومن رحمة اللَّه -تعالى- بعباده أن حفظ هذا الدين برجاله المخلصين، وهم العلماء العاملون، الذين كانوا أعلامًا يُهتدَى بهم، وأئمة يُقتدَى بهم، وأقطابًا تدور عليهم معارف الأمة، وأنوارًا تتجلى بهم غياهب الظلمة، آثارهم محمودة، وطريقتهم مأثورة، وذكرهم مرفوع، وسعيهم مشكور.
ومن هؤلاء الأئمة الإمام أحمد بن حنبل ﵀، فإنه ملأ الأرض علمًا وحديثًا، وعَلِمَ اللَّه -تعالى- حسن نِيَّته وقصده، فكُتِبَ كلامه وحُفِظ، وانتفعت به الأمة، وصار إمامًا وقدوة لأهل السنة.
ثم جاء من بعده أتباعه، فجمعوا مسائله ورواياته، وقعَّدوا لها القواعد، وفَرَّعوا عليها المسائل، وأكثروا من التصنيف، والتأليف في ذلك، ولا سيما المتأخرون منهم، فإنهم سلكوا مسلك التصحيح والترجيح بين الروايات والأقوال، فحرروا المذهب ونقَّحوه، وبيَّنوا ما أُجمِل ووضحوه.
ومن هؤلاء العلَّامة علاء الدين علي بن سليمان المرداوي في كتابه: "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف"، فهو تصحيح لما نقل عن الإمام أحمد في المسألة من روايات، وما نقل عن الأصحاب فيها من أقوال.
ثم اختصره في كتابه: "التنقيح المشبع" صحح فيه ما أطلقه الموفق في: "المقنع" من الروايات، والأوجه، وقيَّد ما أخَل فيه من الشروط، أو ما فيه إطلاق، واستثنى من عمومه ما هو مستثنى على المذهب حتى خصائص النبي ﷺ، فصار تصحيحًا لغالب كتب المذهب (١)، فبين في: "إنصافه"، و"تنقيحه" ﵀ الصحيح من الضعيف.
_________
(١) انظر: التنقيح ص (١٨ - ٢٠).
مقدمة / 10
ثم نحا نحوه مقلدًا له: العلامة موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي في كتابه: "الإقناع لطالب الانتفاع"، فقد جرد فيه الصحيح من مذهب الإمام أحمد.
ونحا نحوه أيضًا: العلَّامة محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي الشهير بابن النجار في كتابه: "منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح، وزيادات".
ويعتبر هذان الكتابان -"الإقناع" و"المنتهى"- العمدة عند المتأخرين، ومدار الفتوى عليهما، إذ فيهما البغية المنشودة والضالة المفقودة.
فإن اختلفا فالمرجع والمعتمد على ما في: "المنتهى"، لأنه أكثر تحريرًا وتصحيحًا من "الإقناع" وإن كان الإقناع أكثر وضوحًا ومسائل.
ولما كان لكتاب: "المنتهى" هذه المنزلة عند المتأخرين من الأصحاب أَوْلوه عناية فائقة من جميع جوانبه؛ فتارة: بالحفظ، والتدريس، واعتماده في القضاء والفُتيا، وتارة: بالشرح والاستدلال.
وتارة: بالتحشية، والتحرير، والتدقيق.
وتارة: بالاختصار.
وتارة: بالجمع بينه وبين "الإقناع".
وممن خدم هذا الكتاب واهتم به -بالتحشية والتحرير- الشيخ محمد الخَلوتي ﵀ في: "حاشيته على المنتهى"، فحَلَّل وحرر كثيرًا من ألفاظ "المنتهى" ومسائله، واعتنى بالفروق الفقهية، وتصوير المسائل، وتلخيص الشروط.
ولما أنهيت -بحمد اللَّه- مرحلة الماجستير، بحثت عن موضوع ليكون رسالة لنيل درجة الدكتوراه، فاستعنت باللَّه -تعالى، فهو خير معين-، فوقع اختياري على "حاشية المنتهَى" للخَلوتي ﵀، القسم الأول (من أول الحاشية إلى آخر كتاب الوصايا).
مقدمة / 11
* أسباب اختيار الموضوع:
١ - الإسهام ولو بجهد المقِل لإحياء ما خلَّفه أسلافنا من تراث أَوْدَعوه ثمرات جهودهم مع ما أوتوا من التحقيق، والتمحيص.
٢ - لمَّا كان الإمام أحمد ﵀ من أكثر الأئمة الأربعة إلمامًا بالحديث والأثر، وما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه ﵃، وكانت كتب أتباعه معتبرة في هذه البلاد، ومعتمدة في التدريس في المساجد والكليات والمعاهد، أحببت أن يكون الكتاب الذي أحققه أحد الكتب الفقهية في مذهب الإمام أحمد ﵀.
٣ - شهرة كتاب: "المنتهى" ومنزلته الرفيعة عند المتأخرين وتقديمه على غيره في الفتوى والقضاء، ولا شك أن هذه الحاشية ستستمد هذه القوة من ذلك، إضافة إلى مكانتها المميزة بين شروح "المنتهى" وحواشيه.
٤ - مكانة مصنف الحاشية بين علماء المذهب وشهرته، وتميزه بالتحرير والتحقيق والتدقيق.
٥ - ما لهذه الحاشية من ميزات كالعناية بنقل الأقوال ونسبتها، وكثرة مصادرها، واشتمالها على فوائد وزيادات كثيرة في فنون متنوعة، وظهور شخصية مؤلفها، ووضوح رأيه -كما فصلته في موضعه-.
٦ - أن تحقيق الحواشي لا يقل أهمية عن تحقيق الشروح:
فالشرح وإن فاق الحاشية بتناوله جميع ألفاظ المتن بالشرح والتحليل، لكن الحاشية تفوق الشرح بأن المحشي يتناول من ألفاظ المتن ما يرى أن بحثه مهم، فتجد في الحواشي من العمق، والتحرير، والتدقيق، ما لا يكاد يوجد في الشروح.
٧ - توفر النسخ الكافية لهذه الحاشية مما يعني خروج نَصها على النحو الذي أردت -إن شاء اللَّه تعالى-، وقد اعتمدت أربع نسخ خطية كما سيأتي.
مقدمة / 12
* خطة البحث:
وقد كانت خطة العمل في هذا التحقيق على النحو التالي:
* أولًا- القسم الدراسي: وتحته ستة فصول:
الفصل الأول: التعريف بمؤلف كتاب منتهى الإرادات.
الفصل الثاني: التعريف بكتاب منتهى الإرادات - القسم الأول.
الفصل الثالث: التعريف بكتاب منتهى الإرادات - القسم الثاني.
الفصل الرابع: التعريف بمؤلف حاشية منتهى الإرادات.
الفصل الخامس: التعريف بحاشية منتهى الإرادات - القسم الأول.
الفصل السادس: التعريف بحاشية منتهى الإرادات - القسم الثاني.
* ثانيًا- منهج تحقيق "حاشية الخلوتي على المنتهى":
التزمت في تحقيق "حاشية الخلوتي على المنتهى" بالمنهج الموحد لتحقيق المخطوطات في قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء وذلك على النحو التالي:
١ - نسخ المخطوط حسب قواعد الإملاء، مع مراعاة علامات الترقيم المعروفة.
٢ - مقارنة النسخ الخطية المتوفرة والتي قد ذكرتها عند كلامي عن النسخ.
٣ - اختيار النسخة الأصل مراعيًا قواعد الاختيار.
٤ - إثبات الفروق بين النسخ في الهامش.
٥ - عَزْو الآيات القرآنية إلى مواضعها في الكتاب الكريم.
٦ - تخريج الأحاديث والآثار من مصادرها الأصيلة، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بذلك، وإلا ذكرت من خَرَّجه من كتب السنن الأربعة، وغيرها من كتب الأحاديث المعتمدة.
مقدمة / 13
٧ - ذكر الأدلة التي يشير إليها المصنف إشارة دون ذكر.
٨ - توثيق الروايات والنصوص التي يذكرها المؤلف من مصادرها الأصيلة.
٩ - شرح الغريب من الألفاظ الواردة في الحاشية.
١٠ - توثيق ما يحتاج إلى توثيق من المقادير أو غيرها.
١١ - التعريف بالبقع والأماكن من المصادر المعتمدة في ذلك.
١٢ - الترجمة للأعلام غير المشهورين الوارد ذكرهم في الكتاب.
١٣ - وضع فهارس كافية كشافات للنص المحقق، وهي:
١ - فهرس الآيات القرآنية.
٢ - فهرس الأحاديث.
٣ - فهرس الآثار.
٤ - فهرس الأشعار.
٥ - فهرس المصطلحات والكلمات الغريبة.
٦ - فهرس الأماكن.
٧ - قائمة المصادر والمراجع.
٨ - فهرس الموضوعات.
وبعد:
فإن ما قدمته عمل بشري، يسري عليه الخطأ، ويكتنفه النقص والقصور، ويأبى اللَّه العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه.
هذا واعترافًا بالفضل لأهله، أتقدم بالشكر الجزيل لكل من أعانني في هذه
مقدمة / 14
الرسالة، وأحق هؤلاء بالشكر والاعتراف له بالفضل، بعد اللَّه ﷾، سماحة شيخنا ووالدنا العلامة محمد بن صالح العثيمين ﵀ رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته-، فقد كان له الفضل في توجيهي إلى تحصيل العلم الشرعي، وأفادني من علمه وخُلُقِه الشيء الكثير، فجزاه اللَّه خير الجزاء، وغفر له، ورحمه.
كما أتقدم بالشكر إلى صاحب الفضيلة الدكتور سليمان بن عبد اللَّه بن حمود أبا الخيل، وكيل جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية، والمشرف على الرسالة، لما قام به من نصح، وتوجيه، وإفادة، فجزاه اللَّه خيرًا.
وأخيرًا: أشكر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على ما تقوم به من خدمات جليلة وعظيمة للإسلام والمسلمين، وأخص بالشكر القائمين على المعهد العالي للقضاء لما يسروا من الخدمات للعلم وطلابه.
وفي الختام: أسال اللَّه -تعالى- أن يجعل عملي خالصًا لوجهه، نافعًا لعباده، إنه جواد كريم، والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه
الدكتور سامي بن محمد بن عبد اللَّه الصقير
* * *
مقدمة / 15
المقدمة الثانية
إن الحمد للَّه نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ.
أما بعد:
فإن من أشرف ما شُغلت به الأوقات، وأجل ما بُذلت فيه الجهود، وعُلقت به الهمم والعزائم؛ طلب العلم الشرعي؛ المستمد من كتاب اللَّه -جل وعلا-، وسنة رسوله ﷺ، حفظًا، وتفقهًا، وتطبيقًا.
ومن أول ذلك فقه الأحكام، الذي هو تفسير لتلك النصوص، وتنزيل لها على الوقائع والنوازل؛ لشدة حاجة الناس إليه في كل زمان ومكان، فهو الطريق لتصحيح العبادات التي يتقرب بها الناس إلى اللَّه -جلا وعلا-، لتكون مبنية على الحق، ومقامة على بصيرة، ولتصحيح معاملات الناس، وتجاراتهم وتبادلهم المنافع، ولتأمين المجتمع من شرور الفوضى، والحفاظ على دماء الناس وأعراضهم وأموالهم؛ بمعرفة حكم اللَّه وكيفية تطبيقه على المعتدين والمجرمين، وضبط قواعد القضاء والتحاكم والدعاوى والبينات في ذلك كله.
لذا تعلقت أنفس العلماء وطلاب العلم بهذا الفن، واتجهت أنظارهم وهممهم إليه سلفًا وخلفًا، يدرسونه ويقررونه، استنباطًا من النصوص، ومقارنة يين المذاهب، وإقامة للمناظرات والمناقشات في ذلك؛ طلبًا للوصول إلى الحق فيه، فنشأ لذلك
مقدمة / 17
علم الفقه، وكثرت فيه المصنفات؛ ما بين مختصرات ومطولات، ومتون وشروح لها وحواش عليها، وتبارى جهابذة هذا الفن من كل المذاهب في هذا الميدان، فتكونت فيه ثروة عريضة مشرفة، بقيت منارًا للأجيال اللاحقة، ولم يزل هذا المدُّ -بفضل اللَّه تعالى- مستمرًا في العطاء والتجدد.
وكان من فضل اللَّه عليَّ أن تخصصت في هذا الفن في دراستي الجامعية وما بعدها، وقد تشرفت بالانتساب إلى هذه الجامعة المباركة، في المعهد العلمي، ثم كلية الشريعة، ثم المعهد العالي للقضاء في مرحلتَي الماجستير والدكتوراه.
وقد أنهيت متطلبات الماجستير عام ١٤١٧ هـ، ولم أزل أتلفت عن موضوع يصلح لتسجيله أطروحة لنيل درجة الدكتوراه، حتى وجدت بغيتي -بحمد اللَّه- في حاشية العلامة محمد بن أحمد البهوتي الخَلوتي المصري المتوفى سنة ثمان وثمانين وألف بعد الهجرة، على منتهى الإرادات للعلامة محمد بن أحمد الفتوحي الشهير بابن النجار المتوفى سنة اثنتين وسبعين وتسعمئة. فسعدت بهذه الحاشية، وعزمت على تحقيقها بعد أن اطلعت عليها، وذلك لما يلي:
١ - شهرة المنتهى ومنزلته الرفيعة بين أهل المذهب، وتقديمه على غيره عند المتأخرين في الفتوى والقضاء، ولا شك أن هذه الحاشية ستستمد هذه القوة من ذلك إضافة إلى ما أطبق عليه الحنابلة من مكانتها المميزة بين شروح المنتهى وحواشيه.
٢ - مكانة مصنف الحاشية بين علماء المذهب وشهرته وتميزه بالتحرير والتحقيق والتدقيق.
٣ - ما لهذه الحاشية من ميزات كالعناية بنقل الأقوال ونسبتها، وكثرة مصادرها، واشتمالها على فوائد وزيادات كثيرة في فنون متنوعة، وظهور شخصية مؤلفها، ووضوح رأيه -كما فصلته في موضعه-.
مقدمة / 18
٤ - توفر النسخ الكافية لهذه الحاشية مما يعني خروجها نصًّا على أحسن صورة -إن شاء اللَّه تعالى- وقد اعتمدت أربع نسخ خطية -كما سيأتي-.
٥ - استشهاد المصنف في الحاشية بأحاديث وآثار كثيرة مما يقوي الكتاب ويثري مادته.
وقد كانت خطة العمل في هذه الأطروحة على النحو التالي:
* أولًا- القسم الدراسي: وتحته ستة فصول:
الفصل الأول: التعريف بمؤلف كتاب منتهى الإرادات.
الفصل الثاني: التعريف بكتاب منتهى الإرادات - القسم الأول.
الفصل الثالث: التعريف بكتاب منتهى الإرادات - القسم الثاني.
الفصل الرابع: التعريف بمؤلف حاشية منتهى الإرادات.
الفصل الخامس: التعريف بحاشية منتهى الإرادات - القسم الأول.
الفصل السادس: التعريف بحاشية منتهى الإرادات - القسم الثاني.
* ثانيًا- منهجي في تحقيق حاشية الخَلوتي على المنتهى:
وقد التزمت فيه بالمنهج الموحد لتحقيق المخطوطات في قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء وذلك على النحو التالي:
١ - نسخ المخطوط حسب قواعد الإملاء مع مراعاة علامات الترقيم المعروفة.
٢ - مقارنة النسخ الخطية المتوفرة والتي قد ذكرتها عند كلامي عن النسخ.
٣ - اختيار النسخة الأصل مراعيًا قواعد الاختيار.
٤ - إثبات الفروق بين النسخ في الهامش.
٥ - عزو الآيات القرآنية إلى مواضعها في الكتاب الكريم.
مقدمة / 19
٦ - تخريج الأحاديث والآثار من المصادر الأصلية فإن كان الحديث في الصحيحَين أو أحدهما اكتفيت بذلك وإلا فألتزم ببيان درجته.
٧ - ذكر الأدلة التي يشير إليها المصنف إشارة دون ذكر.
٨ - توثيق الروايات والنصوص التي يذكرها المؤلف من مصادرها الأصلية.
٩ - شرح الغريب من الألفاظ الواردة في الحاشية.
١٠ - توثيق ما يحتاج إلى توثيق من المقادير أو غيرها.
١١ - التعريف بالبقع والأماكن من المصادر المعتمدة في ذلك.
١٢ - الترجمة للأعلام الوارد ذكرهم في الكتاب.
١٣ - وضع فهارس كافية كشافات للنص المحقق وهي:
١ - فهرس الآيات القرآنية.
٢ - فهرس الأحاديث.
٣ - فهرس الآثار.
٤ - فهرس الأشعار.
٥ - فهرس المصطلحات والكلمات الغريبة.
٦ - فهرس الأماكن.
٧ - قائمة المصادر والمراجع.
٨ - فهرس الموضوعات.
١٤ - وقد كان مصطلحي في ذكر المصادر كما يلي:
أ- إذا كانت المسألة نصًّا بتمامها في بعض المصادر، وبالمعنى أو ناقصة في الأخرى، ذكرت الأولى مباشرة ثم أذكر الأخرى مسبوقة بكلمة: (وانظر).
مقدمة / 20
ب- إذا قلت: انظر المصادر السابقة أو: المصدر السابق في تحقيق كلام صاحب الحاشية فالمقصود آخر مصدر مذكور متعلق بالحاشية دون المنتهى، وكذلك إذا ذكرته في تحقيق المنتهى فالمقصود آخر مصدر مذكور متعلق بالمنتهى دون الحاشية. وقد ألجأني إلى ذلك ما استحسنته أخيرًا من دمج مصادر الكتابَين لئلا يكثر تقسيم الصفحة مما يبدد الفائدة، ويشتت ذهن القارئ.
١٥ - ميزت كل نص بنوع من الأقواس؛ فالآيات الكريمة بين قوسين هكذا ﴿﴾، والأحاديث بين قوسين هكذا: " "، والنصوص المنقولة عن العلماء بين قوسين هكذا: ()، كما وضعت الكلمات الساقطة وأرقام لوحات وصفحات النسخ بين قوسَين هكذا: [].
وبعد:
فأحمد اللَّه -جل وعلا- أولًا وآخرًا على ما مَنَّ به من تيسير هذا العمل، ووفق لاتمامه، وأساله -سبحانه- أن يوفقني لاخلاص النية فيه، وأن يتقبله مني، وأن ينفع به، وييسرني للخير واليسرى إنه سميع مجيب.
ثم أتقدم بخالص شكري وامتناني لهذه الجامعة العريقة جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، التي احتضنتني في مراحل التعليم، ممثلة بمعالي مديرها ومسؤوليها في كافة قطاعاتها، واخص منها المعهد العالي للقضاء، الذي لم يزل نتاجه موفورًا ومشكورًا وظاهرًا في كل ميدان، وأسال اللَّه -تعالى- أن يرفع منارها، وأن يعلي شأنها، ويزيدها عزًّا وتمكينًا.
والشكر موصول لكل من أسدى إليَّ معروفًا وأعانني على إتمام هذا العمل، وعلى رأسهم صاحب الفضيلة الدكتور سليمان بن عبد اللَّه بن حمود أبا الخيل وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والمشرف على الرسالة، الذي غمرني بفضله وتوجيهه، ونصحه، ولا أجد من الكلام ما يوفي بما في النفس له، لكني أسال اللَّه
مقدمة / 21
-تعالى- أن يتولى مثوبته.
اللهم ارزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وزدنا علمًا وعملًا يا أرحم الراحمين، والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
وكتبه
الدكتور محمد بن عبد اللَّه بن صالح اللحيدان
* * *
مقدمة / 22