وإما أن يكفر عنه بمصائب؛ تصيبه ضراء فيصبر عليها، فيكفر عنه السيئات بتلك المصائب، وبالصبر عليها ترتفع درجاته.
وقد جاء في بعض الأحاديث: يقول الله تعالى: " أهْلُ ذِكْرِى أهل مجالستيي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم أي محبهم؛ فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأكَفِّرَ عنهم المعائب ".
وفى قوله تعالى: " من نفسك " من الفوائد: أن العبد لا يركن إلى نفسه، ولا يسكن إليها؛ فإن الشر لا يجيء إلا منها، ولا يشتغل بملام الناس ولا ذمهم إذا أساؤوا إليه؛ فإن ذلك من السيئات التي أصابته، وهي إنما أصابته بذنوبه، فيرجع إلى الذنوب فيستغفر منها، ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله، ويسأل الله أن يعينه على طاعته، فبذلك يحصل له كل خير، ويندفع عنه كل شر.
ولهذا كان أنفع الدعاء، وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: ٦، ٧]، فإنه إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
لكن الذنوب هي من لوازم نفس الإنسان، وهو محتاج إلى الهدى في كل لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب.
ليس كما يقوله طائفة من المفسرين: إنه قد هداه، فلماذا يسأل الهدى؟
وأن المراد بسؤال الهدى: الثبات، أو مزيد الهداية.
1 / 83