إلى الصبر على الطاعة فيها؛ فإن فتنة السراء أعظم من فتنة الضراء، كما قال بعض السلف: ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر.
وفى الحديث: " أعوذ بك من فتنة الفقر، وشر فتنة الغنى ".
والفقر يصلح عليه خَلْق كثير، والغنى لا يصلح عليه إلا أقل منهم.
ولهذا كان أكثر من يدخل الجنة المساكين؛ لأن فتنة الفقر أهون وكلاهما يحتاج إلى الصبر والشكر، لكن لما كان في السراء اللذة، وفى الضراء الألم، اشتهر ذكر الشكر في السراء، والصبر في الضراء، قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: ٩ ١١]، ولأن صاحب السراء أحوج إلى الشكر، وصاحب الضراء أحوج إلى الصبر؛ فإن صبر هذا وشكر هذا واجب، إذا تركه استحق العقاب.
وأما صبر صاحب السراء، فقد يكون مستحبًا إذا كان عن فضول الشهوات، وقد يكون واجبًا، ولكن لإتيانه بالشكر الذي هو حسنات يغفر له ما يغفر من سيئاته.
وكذلك صاحب الضراء، لا يكون الشكر في حقه مستحبًا إذا كان شكرًا يصير به من السابقين المقربين. وقد يكون تقصيره في الشكر مما يغفر له، لما يأتي به من الصبر؛ فإن اجتماع الشكر والصبر جميعًا يكون مع تألم النفس وتلذذها، يصبر على الألم، ويشكر على النعم. وهذا حال يعسر على كثير من الناس، وبسط هذا له موضع آخر.
1 / 73