﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ [الرحمن: ١ ٤] وقال تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ١ ٣]، وقال تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: ١٠] .
ففي كل أحد ما يقتضى معرفته بالحق ومحبته له، وقد هداه ربه إلى أنواع من العلم يمكنه أن يتوصل بها إلى سعادة الأولى والآخرة. وجعل في فطرته محبة لذلك، لكن قد يعرض الإنسان بجاهليته وغفلته عن طلب علم ما ينفعه.
وكونه لا يطلب ذلك، ولا يريده، أمر عدمي، لا يضاف إلى الله تعالى فلا يضاف إلى الله لا عدم علمه بالحق، ولا عدم إرادته للخير.
لكن النفس كما تقدم الإرادة والحركة من لوازمها، فإنها حية حياة طبيعية، لكن سعادتها ونجاتها إنما تتحقق بأن تحيا الحياة النافعة الكاملة، وكان ما لها من الحياة الطبيعية موجبًا لعذابها، فلا هي حية متنعمة بالحياة، ولا هي ميتة مستريحة من العذاب، قال تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشقي الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ [الأعلى: ٩-١٣]، فالجزاء من جنس العمل، لما كان في الدنيا ليس بحي الحياة النافعة التي خلق لأجلها، بل كانت حياته من جنس حياة البهائم، ولم يكن ميتا عديم الإحساس، كان في الآخرة كذلك، فإن مقصود الحياة هو حصول ما ينتفع به الحي ويستلذ به، والحي لابد له من لذة أو ألم، فإذا لم تحصل له اللذة لم يحصل له مقصود الحياة؛ فإن الألم ليس مقصودًا.
كمن هو حي في الدنيا، وبه أمراض عظيمة لا تدعه يتنعم بشيء مما يتنعم به الأحياء، فهذا يبقى طول حياته يختار الموت، ولا يحصل له.
1 / 67