الرسل يوجب الخوف. فإذا كان العلم يوجب الخشية الحاملة على فعل الحسنات، وترك السيئات، وكل عاص فهو جاهل، ليس بتام العلم. يبين ما ذكرنا من أن أصل السيئات الجهل، وعدم العلم. وإذا كان كذلك، فعدم العلم ليس شيئا موجودًا، بل هو مثل عدم القدرة، وعدم السمع والبصر، وسائر الأعدام.
والعدم لا فاعل له، وليس هو شيئًا، وإنما الشيء الموجود. والله تعالى خالق كل شيء، فلا يجوز أن يضاف العدم المحض إلى الله، لكن قد يقترن به ما هو موجود.
فإذا لم يكن عالمًا بالله، لا يدعوه إلى الحسنات، وترك السيئات.
والنفس بطبعها متحولة، فإنها حية، والإرادة والحركة الإرادية من لوازم الحياة؛ ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: " أصدَقُ الأسماء حارث وهَمَّام "، فكل آدمي حارث وهمام، أي عامل كاسب، وهو همام، أي: يهم ويريد، فهو متحرك بالإرادة.
وقد جاء في الحديث: " مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فَلاة " [فلاة: أي لا ماء فيها. انظر: القاموس مادة: فلو]، " ولَلْقَلْبُ أشد تَقَلُّبًا من القِدْر إذا استجمعت غليانًا ".
فلما كانت الإرادة والعمل من لوازم ذاتها، فإذا هداها الله، علمها ما ينفعها وما يضرها، فأرادت ما ينفعها، وتركت ما يضرها.
فصل
والله سبحانه قد تفضل على بنى آدم بأمرين، هما أصل السعادة:
أحدهما: أن كل مولود يولد على الفطرة، كما في الصحيحين عن
1 / 65