عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٨] .
وقوله: ﴿زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ هو بتوسيط تزيين الملائكة والأنبياء والمؤمنين للخير، وتزيين شياطين الجن والإنس للشر، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] .
فأصل ما يوقع الناس في السيئات الجهل، وعدم العلم بكونها تضرهم ضررًا راجحًا، أو ظن أنها تنفعهم نفعًا راجحًا؛ ولهذا قال الصحابة ﵃: كل من عصى الله فهو جاهل، وفسروا بذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧]، كقوله: ﴿وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الأنعام: ٥٤]، ولهذا يسمى حال فعل السيئات: الجاهلية؛ فإنه يصاحبها حال من حال جاهلية.
قال أبو العالية: سألت أصحاب محمد ﷺ عن هذه الآية: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾ [النساء: ١٧] فقالوا: كل من عصى الله فهو جاهل. ومن تاب قبيل الموت، فقد تاب من قريب.
وعن قتادة قال: أجمع أصحاب محمد رسول الله ﷺ على أن كل من عصى ربه فهو في جهالة، عمدًا كان أو لم يكن، وكل من عصى الله فهو جاهل. وكذلك قال التابعون ومن بعدهم.
قال مجاهد: من عمل ذنبًا من شيخ أو شاب فهو بجهالة. وقال: من عصى ربه فهو جاهل، حتى ينزع عن معصيته. وقال أيضًا: هو إعطاء الجهالة العمد.
1 / 62