فأما عدم الحسنات والسيئات فجزاؤه عدم الثواب والعقاب.
وإذا فرض رجل آمن بالرسول مجملا، وبقي مدة لا يفعل كثيرًا من المحرمات، ولا سمع أنها محرمة، فلم يعتقد تحريمها، مثل من آمن ولم يعلم أن الله حرم الميتة والدم ولحم الخنزير، ولا علم أنه حرم نكاح الأقارب سوى أربعة أصناف، ولا حرم بالمصاهرة أربعة أصناف حرم على كل من الزوجين أصول الآخر وفروعه فإذا آمن ولم يفعل هذه المحرمات، ولا اعتقد تحريمها؛ لأنه لم يسمع ذلك، فهذا لا يثاب ولا يعاقب.
ولكن إذا علم التحريم فاعتقده، أثيب على اعتقاده، وإذا ترك ذلك مع دعاء النفس إليه أثيب ثوابا آخر، كالذي تدعوه نفسه إلى الشهوات فينهاها، كالصائم الذي تشتهي نفسه الأكل والجماع فينهاها، والذي تشتهي نفسه شرب الخمر والفواحش فينهاها. فهذا يثاب ثوابًا آخر، بحسب نهيه لنفسه، وصبره على المحرمات، واشتغاله بالطاعات التي هي ضدها، فإذا فعل تلك الطاعات، كانت مانعة له عن المحرمات.
وإذا تبين هذا، فالحسنات التي يثاب عليها كلها وجودية، نعمة من الله تعالى وما أحبته النفس من ذلك، وكرهته من السيئات، فهو الذي حبب الإيمان إلى المؤمنين، وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان.
فصل
وأما السيئات، فمنشؤها الجهل والظلم، فإن أحدًا لا يفعل سيئة قبيحة إلا لعدم علمه بكونها سيئة قبيحة، أو لهواه وميل نفسه إليها.
ولا يترك حسنة واجبة إلا لعدم علمه بوجوبها، أو لبغض نفسه لها.
1 / 59