فصل
الفرق الخامس: أن ما يحصل للإنسان من الحسنات التي يعملها كلها أمور وجودية، أنعم الله بها عليه، وحصلت بمشيئة الله ورحمته وحكمته وقدرته وخلقه، ليس في الحسنات أمر عدمي غير مضاف إلى الله، بل كلها أمر وجودي، وكل موجود وحادث فالله هو الذي يحدثه.
وذلك أن الحسنات إما فعل مأمور به، أو ترك منهي عنه، والترك أمر وجودي. فترك الإنسان لما نهى عنه، ومعرفته بأنه ذنب قبيح، وبأنه سبب للعذاب، وبغضه وكراهته له، ومنع نفسه منه إذا هويته، واشتهته، وطلبته كل هذه أمور وجودية، كما أن معرفته بأن الحسنات - كالعدل والصدق حسنة، وفعله لها أمور وجودية.
ولهذا إنما يثاب الإنسان على فعل الحسنات إذا فعلها محبا لها بنية وقصد فعلها ابتغاء وجه ربه، وطاعة لله ولرسوله، ويثاب على ترك السيئات إذا تركها بالكراهة لها، والامتناع منها، قال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات: ٧]، وقال تعالى: ﴿مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: ٤٠،٤١]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥] .
وفى الصحيحين عن أنس، عن النبي ﷺ أنه قال: " ثلاث من كُنَّ فيه وَجَد حلاوة الإيمان: من كان اللّه ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر، بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار ".
1 / 53