من نفس الإنسان ناشئة، وإن كانت بقضائه وقدره، كما قال تعالى: ﴿مٌن شّرٌَ مّا خّلّقّ﴾ [الفلق: ٢]، فمن المخلوقات ماله شر، وإن كان بقضائه وقدره.
وأنتم تقولون: الطاعة والمعصية هما من إحداث الإنسان، بدون أن يجعل الله هذا فاعلا وهذا فاعلا، وبدون أن يخص الله المؤمن بنعمة ورحمة أطاعه بها؟ وهذا مخالف للقرآن.
فَصل
فإن قيل: إذا كانت الطاعات والمعاصي مقدرة، والنعم والمصائب مقدرة، فلم فرق بين الحسنات التي هي النعم، والسيئات التي هي المصائب؟ فجعل هذه من الله، وهذه من نفس الإنسان؟
قيل: لفروق بينهما:
الفرق الأول: أن نعم الله وإحسانه إلى عباده يقع ابتداء بلا سبب منهم أصلا، فهو ينعم بالعافية والرزق والنصر، وغير ذلك على من لم يعمل خيرًا قط، وينشئ للجنة خلقًا يسكنهم فضول الجنة، وقد خلقهم في الآخرة لم يعملوا خيرًا، ويدخل أطفال المؤمنين ومجانينهم الجنة برحمته بلا عمل. وأما العقاب، فلا يعاقب أحدًا إلا بعمله.
الفرق الثاني: أن الذي يعمل الحسنات، إذا عملها، فنفس عمله الحسنات هو من إحسان الله، وبفضله عليه بالهداية والإيمان، كما قال أهل الجنة: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ﴾ [الأعراف: ٤٣] .
وفى الحديث الصحيح: " يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحْصيها لكم
1 / 40