وكان العلماء إذا اختلفوا في شيء، رجعوا إلى البدو يستفسرونهم، ويحكمون بينهم، وكانوا يصححون كثيرا مما يجري من اللحن على ألسنة العوام، وقد نسبوا إلى الكسائي كتابا في لحن العامة عمله لهارون الرشيد، وهو - وإن لم تكن نسبته صحيحة - فإنه يعد أقدم الآثار الأدبية في تنقية اللغة العربية، وهو يحتوي على نحو 102 غلطة من الغلطات التي تجري على ألسنة العوام، وقد بلغت تنقية اللغة العربية هذه ذروتها في لغة أبي نواس، نعم، كانت تأتي في شعره صيغ غريبة التصريف كتنوينه سنون وبنون ... واستعماله أحيانا جمع المذكر السالم بكسر النون بدل فتحها، وأخذ النحاة عليه قوله:
يا خير من كان ومن يكون
إلا النبي الطاهر الميمون
فقالوا: كان من الواجب نصب إلا النبي، وأكثر من ذلك تركه الإعراب أحيانا، واستعمال صيغ ماضية أحيانا، وقوله في بعض شعره يأتك بسكون الكاف على الوقف، وقوله:
كأن صغرى وكبرى من فقاقعها
حصباء در على أرض من الذهب
فانتقدوا صغرى وكبرى، على أنه - فيما يظهر - يأتي بهذه الأشياء لا على أنها لحن، بل يتعمدها تعمدا استصغارا لقواعد النحو، وكان في إمكانه تجنبها، ولكنه كان يهزأ بالنحو كما يهزأ بالعرب، وعلى العموم كان من كثرة الاحتكاك بين البدو والحضر في عهد الرشيد، ومجادلات العلماء، والمكافأة عليها بسخاء منه، وما منح من ذوق لغوي دقيق، حتى إن الأدوار الغنائية التي اختيرت له كانت كلها باللغة الفصحى.
وفي عصر الرشيد رويت لنا بعض القوالب الشعبية كالتي تسمي المزدوجة، وهو قالب شعري يؤلف فيه بيتان قصيران متحدا القافية ... وقد نظم عليه أبو العتاهية أرجوزته المشهورة في ذات الأمثال، قالوا: إنها تشتمل على أربعة آلاف حكمة ومثل، لم يصلنا منها إلا جزء صغير، واختار أبان بن عبد الحميد اللاحقي - معاصر أبي العتاهية - نفس القالب المطابق للمثنوي الفارسي، عندما نظم كليلة ودمنة، وافتتحه بقوله:
هذا كتاب أدب ومحنه
وهو الذي يدعى كليلة ودمنه
অজানা পৃষ্ঠা