وأغرب من هذا ما رواه الحاكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال مجاهد: قال لي ابن عباس: «لو لم أسمع أنك من أهل البيت ما حدثتك بهذا الحديث» قال: فقال مجاهد: «فإنه في ستر لا أذكره لمن يكره»، قال: فقال ابن عباس: «منا أهل البيت أربعة: منا السفاح، ومنا المنذر، ومنا المنصور، ومنا المهدي»، قال: فقال مجاهد: بين لي هؤلاء الأربعة، فقال ابن عباس: «أما السفاح؛ فربما قتل أنصاره، وعفا عن عدوه، وأما المنذر؛ فإنه يعطي المال الكثير، ولا يتعاظم في نفسه، ويمسك القليل من حقه، وأما المنصور؛ فإنه يعطى النصر على عدوه، ويرهب منه عدوه على مسيرة شهر، وأما المهدي فإنه الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وتامن البهائم السباع، وتلقي الأرض أفلاذ كبدها، قال: قلت: «وما أفلاذ كبدها؟» قال: «أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة».»
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ومنه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، وقد خرج له مسلم، والحديث كما يظهر مصنوع حكي بمهارة كما يحكى الحديث الصحيح.
وكلها أحاديث وضعت لخدمة البيت العباسي، والإشاعة بين الناس أنه بيت مؤيد من الله مقدر على العباد فلا معنى لمقاومته.
يحيى البرمكي
ولما تربع الرشيد على كرسي الخلافة الذي كان متربعا عليه من قبل أخوه الهادي، وأبوه المهدي، كان أول ما فعل أن أسند الوزارة إلى يحيى البرمكي؛ اعترافا بجميله ... فقد كان مربيا له في صغره، وكان المدافع عن ولايته للعهد في شبابه، وكان الرشيد يناديه: يا أبت! دلالة على حبه والوفاء له، وكان يستشيره في جميع الأمور ما صغر وما كبر، ومنحه سلطة مطلقة لتسيير أمور الدولة كما يرى.
وكانت وزارته وزارة تفويض، والوزارة في الدولة الإسلامية تنقسم إلى قسمين؛ وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ ... فوزير التفويض يستطيع أن يفعل ما يشاء من غير أن يرجع إلى خليفته، وله الحق أن يولي من يشاء، ويعزل من يشاء، وأما وزير التنفيذ فليس له أن يفعل أمرا ابتداء من عند نفسه، إنما يفعل ما يأمر به الخليفة. وكان ليحيى هذا أبناء أربعة: الفضل، وجعفر، وموسى، ومحمد ... وكلهم على جانب عظيم من الحنكة السياسية، وولوا أعمالا عظيمة في الدولة، واشتهر منهم الفضل بن يحيى، وجعفر بن يحيى.
اشتهر الفضل بالكرم الذي لا حد له، وكان في ذلك يفوق كل أهل بيته، واشتهر جعفر بالقرب الشديد من الرشيد، وبالكرم دون كرم الفضل، وبالبلاغة فوق بلاغة الفضل.
وكان الخليفة في هذا العصر حاكما مستبدا برأيه، يهيمن على كل شئون الدولة، وفي يده جميع السلطات، ويشرف على الرسائل الرسمية، وعلى تعيين أمراء الأمصار وعزلهم، ووزيره ينوب عنه في ذلك، وكانت كل الأعمال التي يتولاها الوزير يتولاها إما برأيه أو منفردا عنه، ولم تكن شئون الدولة مقسمة إلى وزارات، كل وزارة لها اختصاص، فإن بغداد لم تعرف هذا النظام، بل كان الوزير وزير كل شيء؛ وزيرا للمال، ووزيرا للشئون الاجتماعية، ووزيرا للأشغال، إلى غير ذلك، كما كان الخليفة كل شيء، وإنما عرف نظام التخصيص، وإسناد كل طائفة من الأعمال إلى وزير، وتعدد الوزراء الأندلس لا الشرق ... وهذا ما جعل الوزير في الشرق واسع السلطان، يحمل كل المسئوليات. •••
وبجانب الوزير والخليفة، كان هناك مجلس استشاري، يتألف من الوزير وبعض العائلة المالكة، وهذا المجلس يستشار في المسائل العامة الكبيرة؛ كإيرادات الدولة ومصروفاتها، وتعيين كبار الموظفين وعزلهم، ومن الأسف أن ليس لدينا تفصيل كبير عن عدد أعضاء هذا المجلس ، ولكنا نعلم أنه مجلس استشاري، للخليفة والوزير أن يأخذا برأيه أو يخالفاه، لا كما كان نظام الشورى في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم
অজানা পৃষ্ঠা