وقصد الشيخ حسن إلى السرير الأسود القائم على أعمدته الأربعة في ركن الحجرة، وخلع عمامته وأعطاها فضيلة التي وضعتها على المنضدة، ثم خلع الشيخ جوربه في بطء ذاهل، وألقى بنفسه إلى السرير غير حائر؛ فهو لم يفكر لحظة في أن يجيب جماعة الخير إلى مطلبهم؛ فما تعود التهديد، وما كان ليقبل أن يكون فريسة سهلة، وقد رأى أنه إن قبل فستتمادى جماعة الخير في فرض إتاواتها، فيعم الخراب القرية، ولكنه مع ذلك لم يعدم هاجسا في نفسه أن هذه الجماعة قد تصيبه بسوء، وإن كان لا يدري أي سوء يمكن أن تصيبه به، ولعله يرد هذا الهاجس عن نفسه بأنهم لن يجرءوا، فلئن ينتهز لص من الليل غفلة ويهاجم بعض نفر في الطريق، فما يعني هذا أن يجترئ هذا اللص فيفرض الإتاوة على وجوه القرية وأعيانها. وهكذا راح الشيخ حسن في فراشه بينما راحت زوجته في سبات بعيد، وما لبث الشيخ حسن أن راح يتمتم في صوت ثابت: بسم الله الرحمن الرحيم
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون * قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون
صدق الله العظيم.
وراح الشيخ يردد هاتين الآيتين حتى أسلمتاه إلى نوم هادئ عميق. •••
جلست جماعة الخير في الخص الذي أقاموه في الصحراء قريبا من الطريق الواقعة بين البلدة ومحطة السكة الحديد، وقد تحلق جميعهم حول كمال يبذلون له الإعجاب بخطته، وهل تخيلوا يوما أنهم سيقيمون لكل عملية خصا يتسلمون فيه ما قد فرضوه على ضحيتهم، ثم يهدمونه ويزيلون أثره ليقيموا مثله في مكان آخر، فيضيع أثرهم في عرض الصحراء ولا يعرف لجماعتهم مستقر؟ وهل فكر أحدهم إلا كمالا في أن يترك الحجرة التي كانوا يجلسون بها في بيت النمرود مضاءة مقفلة بالمفتاح، حتى يظن العابرون بالمنزل والجيران أن أهل الحجرة جالسون بها لم يغادروها؟ لا، إن أحدا لم يفكر بهذه العبقرية إلا كمال.
وقد اتخذ كمال من مغارته المركز الرئيسي للجماعة، لقد كانت تلك المغارة مهبط وحيه، فيها انقطع عن الناس ليفرغ إلى الشيطان فيضع تلك الخطة التي ينفذها اليوم، وهكذا وجد أفراد الجماعة الجديدة رياسة حازمة تأتلفهم وتضع لهم الخطط قويمة قوية، ووجد كل منهم لنفسه بندقية على أحدث طراز ومسدسا بساقية، كما هيأ كمال لكل منهم حصانا جعل مستقره في مغارة الوحي.
وهكذا استقام الأمر لكمال، فهو يغدق عليهم من كرمه، وهو يهددهم بأسرارهم، وهو يروعهم بخططه المحكمة، وهو من قبل قد جعلهم يقسمون له يمين الولاء على المصحف، وبين الإكرام والتهديد، والوعد والوعيد، تلين نفوس وتقبل ما لم تكن تقبله، فقبل العتاة الأربعة أن يكونوا أتباعا لكمال بعد أن كانوا يأنفون أن يكون كمال تابعهم.
قال الدفراوي: ما للزهار تأخر؟
فقال نور: إنه ينتظر صلاحا على الطريق.
وقال النمرود: ولكن الانتظار طال، أخشى أن يكون الزهار قد وقع في مكروه.
অজানা পৃষ্ঠা