ইসলাহি হারাকাত
محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
জনগুলি
أما المرأة فقد لبثت في المارستان وقتا ما، ثم أطلق سراحها، فخرجت إلى الشوارع، وإذا بها «شيخة على انفرادها» يعتقد الناس في ولايتها، ويؤمن النساء - بوجه خاص - في كراماتها، وبعد مماتها أقيمت لها الموالد، وقدمت لها الهدايا والنذور. (2-2) العنزة المباركة
كان ادعاء الولاية إذن طريقا سهلا ميسورا لاصطناع الغنى واجتلاب الثروات، في وقت فشا فيه الفقر واشتد الضيق بالناس، وقد يكون هذا سببا من أهم أسباب انتشار التصوف وكثرة المجاذيب والدراويش، ولكن الناس تغالوا في هذا الباب حتى نسبوا الولاية والكرامات إلى الحيوانات، فعل هذا كبير خدام مشهد السيدة نفيسة؛ فقد أتى هذا الرجل بعنزة، وادعى أن السيدة أوصت بها خيرا حتى أصبحت تأتي بالكرامات، وشاع خبر العنزة، فآمن الناس بها وبما قاله الشيخ فيها، وصاروا يهدون إليها الهدايا من الفستق واللوز والسكر وماء الورد، وعمل النساء لها قلائد وأساور وحليا من الذهب، وتزاحم الناس ونساء الأمراء والكبراء على زيارتها والتبرك بها.
وسمع الأمير عبد الرحمن كتخدا بخبرها، فأرسل يستدعي الشيخ وعنزته بدعوى أنه يريد التبرك بها هو وحريمه، فركب الرجل - والعنزة في حجره - وسار في موكب حافل تتقدمه الطبول والزمور، وتحيط به البيارق والجم الغفير من الناس، إلى أن وصل إلى منزل الأمير، فاحتفى به، وأدخل العنزة إلى الحريم ليتبرك بها نساؤه، ثم أمر بذبحها وأطعم صاحبها من لحمها، ولما أراد الانصراف طلب العنزة فعرفه أنها هي التي أكل لحمها، ثم وبخه وأنبه على فعلته، وأمر أن يعاد إلى بيته في موكب حافل، ولكن شتان بين الموكبين؛ فقد وضع جلد العنزة على عمامة الشيخ، والطبول والزمور تزفه، والناس يسخرون منه إلى أن وصل إلى داره. (2-3) محاولات سلبية للإصلاح
عنف رفيق
هذه أمثلة للمقاومة العنيفة، ولكنه عنف - كما نرى - كان رفيقا غاية الرفق لم يزد على ضرب بعض المجاذيب، أو إلحاق امرأة بالمارستان، أو ذبح العنزة صاحبة الولاية والكرامات، ويدخل في هذا الباب ما فعله نابليون ؛ فقد هال الرجل ما رآه من هوس هؤلاء المجاذيب، فاستفتى علماء مصر في شعبان سنة 1215ه في أمر الفقراء الذين يدورون في الأسواق، ويكشفون عوراتهم ويصرخون ويدعون الولاية ويعتقدهم العوام، وهم مع هذا لا يصلون صلاة المسلمين ولا يصومون، وسأل العلماء رأي الإسلام في جواز مسلكهم هذا أو تحريمه، فأجاب الفقهاء بأن هذا كله حرام ومخالف لديننا وشرعنا وسنتنا، فشكرهم نابليون على فتواهم، وأمر رجال الإدارة بتتبع هؤلاء الفقراء والقبض عليهم، فمن كان منهم مجنونا ربط بالمارستان، ومن كان كامل الرشد نفي من البلد إن أبى تغيير مسلكه.
فتاوى الفقهاء
وهذه الفتوى التي أصدرها العلماء تشرح - في وضوح - موقفهم من التصوف والمتصوفة، وهي خير دليل على الخصومة التي كانت قائمة بين الفريقين، وقد اتخذت هذه الخصومة - كما أسلفنا - أشكالا أخرى، لعل أبرزها وأوضحها تلك الفتاوى أو الرسائل التي ألفها علماء هذا العصر لنقد المتصوفة وتجريحهم والحط من شأنهم، ومن أمثلة هذه الفتاوى والرسائل الفتوى التي أصدرها الشيخ علي الصعيدي في سنة 1197ه ردا على سؤال وجه إليه بصدد طريقة الذكر عند طائفة المطاوعة التي كان يتخذ فقراؤها المغنين والأعلام والطبول، ويستعملون السبح الكبيرة والملاحف والسراويل، يضعها الغلمان الذين يجلسون خلف الذاكرين فوق رءوسهم أو يمسكون بها ظهورهم ... وغير ذلك من البدع.
ومن الرسائل تلك الرسالة التي كتبها الشيخ محمد صفي الدين الحنفي في سنة 1105ه وأسماها «الصاعقة المحرقة»، وهاجم فيها التصوف وأهله هجوما عنيفا، وخاصة أولئك الفقراء الذين اتخذوا الرقص واللعب دينا وخلطوهما بالعبادة، وراحوا في حلقات الذكر يدورون مركبين أيديهم إلى وراء، وقداء رءوسهم بالتصعيد والتسفيل والتلوي على هيئة معروفة في لعبة «ركض الديك» عند النصارى.
صوت المجتمع والشعر
ومن الأصوات التي ارتفعت للتنديد بهذا النفر من مدعي الولاية صوت الشعر، وكثيرا ما كان الشعر ترجمانا لأحوال المجتمع ولأحداث السياسة، وقد عاش في مصر في القرن الثامن عشر شاعر مجيد اسمه حسن البدري الحجازي، وكان هذا الشاعر شديد الانفعال لما يحدث حوله، وفي المقطوعات الكثيرة التي نقلها عنه الجبرتي في تاريخه صور جميلة للحياتين: السياسية والاجتماعية في مصر على عهده، وهو في كثير من هذه المقطوعات يضج بالشكوى من أدعياء العلم الجهلة، ومن أدعياء التصوف المجاذيب، قال تعقيبا على حادث الشيخ علي البكري سالف الذكر:
অজানা পৃষ্ঠা