هكذا حافظت الحارة على نظامها المثالي في الداخل، وعلى سمعتها خارج نطاق الميدان.
20
رغم ذلك رجع شمس الدين من معركة العطوف مبلبل الخاطر. الزوبعة الثملة بالقوة والنصر تتشرب بالأتربة والقاذورات. لقد قال له فتوة العطوف وهو يتوثب للالتحام: أقدم يا ابن الزانية! أقدم يا ابن عاهرة خمارة درويش!
وملأ سبابه الأسماع. هلل له رجاله وزمجر الآخرون. أهو محض سباب مما تتفتح به المعارك؟ أم هو تاريخ يعلمه الجميع ويجهله هو بحكم حداثة سنه؟
وخلا إلى شعلان الأعور وسأله عما يعنيه الرجل، فقال له شعلان بحدة: نباح كلب جريح!
وقال له أيضا: إن امرأة يختارها عاشور الناجي زوجة له ووعاء لذريته لا يمكن أن ترتقي إليها شبهة من الشبهات.
واطمأن قلبه، ولكن لفترة قصيرة. لم يسترد الصفاء. وهامت في صدره الهواجس مثل السحائب في اليوم المطير. وفي وقت راحته جعل يسترق النظرات إلى فلة. إنها في الأربعين أو دون ذلك، مليحة ملاحة فائقة، صغيرة الجسم، رشيقة فاتنة. عيناها تنفثان سحرا خالصا. تقية محترمة وذات شخصية مؤثرة. لا يمكن أن يتصور ذلك، والويل لمن تسول له نفسه اقتحام محرابها! كم تعلق بها لدرجة الهوس، حتى قال له عاشور الناجي يوما: الرجل الحق لا يتعلق بأمه مثلما تفعل.
واستصحبه معه وهو صغير، فكان يأكل وينام فوق الكارو، ودار في فلك أبيه منتزعا من الأحضان الدافئة.
ترى ماذا شهدت خمارة درويش؟ هل يوجد رجال يعرفون من خفايا أمه ما لا يمكن أن يعرف؟!
وغمغم بغضب: الويل لمن تسول له نفسه اقتحام محرابها!
অজানা পৃষ্ঠা