ومضت الأيام لا تحمل بصيصا من أمل. تسير بطيئة ثقيلة مسربلة بالكآبة. ويئس كل قلب من أن يرى من جديد عاشور الناجي وهو يمضي بهيكله العملاق، يكبح المتجبرين ويرعى الكادحين وينشر التقوى والأمان.
وترتدي فلة الحداد، ويبكي شمس بلا حساب، ويغرق الأعوان في الحزن والتفكير. وقد اعتقد قوم أن درويش غدر بالرجل في مجلس السماع، ثم سحبه إلى القرافة فدفنه في قبر مجهول. وأصر الناس رغم اليأس على أنه سيرجع ذات يوم هازئا من كافة الظنون. ومن شدة الحزن تصور آخرون أن اختفاءه كرامة من كرامات الأولياء.
ومضى سحر العادة القاسي يفعل فعله بالخطب، يعاشره ويألفه ويهونه، ويدفعه في تيار الأحداث اللانهائية فيذوب في عبابها.
لقد اختفى عاشور الناجي.
ولكن الزمن لن يتوقف وما ينبغي له.
11
وكان لا بد من اختيار فتوة جديد للحارة قبل أن ينفرط نظامها أو تدوسها أقدام الحارات المتربصة. وانحصر الاختيار بين غسان ودهشان باعتبارهما أقوى الرجال وألصقهما بالناجي، ولم يلتفت إلى شمس الدين لحداثة سنه ونعومة مظهره. وانحاز رجال لكل رجل، فتقرر اتباع ما يتبع عادة في هذه الأحوال؛ وهو أن يتصارع المتنافسان في صحراء المماليك، ثم يتوج الفائز فتوة للحارة.
تلقت فلة تلك الأنباء، ورأت شمس الدين وهو يرتدي جلبابه استعدادا لشهود المعركة ضمن الأتباع، ففاضت دموعها وراحت تندب حظها. وضاق الشاب بذلك فقال: لا يمكن أن تعيش الحارة بلا فتوة.
فتساءلت بحدة: وهل تخلف القطط الأسود؟ - لا حيلة أمام قضاء الله. - سوف ترتد الفتونة إلى عهد البلطجة والطغيان.
فقال الشاب بحرارة: ليس من اليسير النكوص عن تراث الناجي.
অজানা পৃষ্ঠা