291

4

لم يكتب على طفل ما كتب على جبين جلال بن زهيرة بن عبد ربه الفران من المعاناة والألم. منظر تهشيم رأس أمه الجميلة انغرز في أعماقه. كابوس دام يعذب يقظته ويكدر أحلامه. كيف تأتى لهذه القسوة أن توجد؟ كيف أمكن أن يلقى جمال نبيل تلك النهاية البشعة؟ لماذا وقع ذلك؟ لماذا صمتت أمه؟ لماذا اختفت؟ وماذا جنى حتى يحرم من جمالها وحنانها وأبهة الحياة النابعة منها؟ لم لا ترجع الأيام إلى الوراء كما تتقدم إلى الأمام؟ لم نخسر ما نحب ونعاني ما نكره؟ لماذا تذعن الأشياء لأوامر صارمة؟ لماذا ينقل من الدار الفاخرة إلى مسكن عبد ربه الفران؟ ومن هو عبد ربه الفران؟ ولم يطالب بالاعتراف به أبا له؟ إنه ابن أمه بلا شريك. هي أمه ومبدعه ومهده وحبه. إنها روحه ودمه، صورتها مطبوعة على وجهه، صوتها يشدو في أذنه، وأمل استرجاعها ذات يوم لا يخبو في قلبه.

إن العظام المحطمة الغارقة في بركة الدم لا تنسى إلى الأبد.

5

تغيرت دنيا عبد ربه الفران أيضا. بفضل الثروة التي ورثها جلال انتقل من البدروم إلى شقة محترمة. ابتاع الفرن من صاحبه باسم ابنه، وراح يديره إدارة سيئة لإدمانه الخمر. ارتدى الجلباب الأبيض والعباءة الملونة، توج رأسه باللاثة المزركشة، واختفت قدماه الغليظتان لأول مرة في مركوب أحمر. وقال لنفسه بتشنج: «تمتع يا عبد ربه بجاه زهيرة.» ولم يجد من يحاسبه على العبث بمال جلال الصغير. ورغم الخمر والأسى تعلق قلبه بجلال. رنا مبهورا إلى جمال زهيرة المطبوع على محياه. إنه يذكره بأسعد أيامه وأشقاها. ولا يألو جهدا في استئناسه وطمأنته وكسب مودته، ذلك الصغير الجميل النافر.

6

واستيقظ جلال ذات ليلة قبيل الفجر وهو يبكي، فأيقظ أباه المخمور. انزعج عبد ربه ومسح على شعره الأسود الناعم متسائلا: حلمت يا جلال؟

فسأله وهو يجهش: متى ترجع أمي؟

وضاق به من ثقل رأسه، فقال له: ستذهب إليها بعد عمر طويل فلا تتعجل.

7

অজানা পৃষ্ঠা