وتذكر الحرافيش تدهور سليمان الناجي، فقالوا إن الشر وحده هو ما يورث في آل الناجي. وتألم لذلك قرة كما تألم عمه رضوان، أما رمانة فقال: حسبنا العزة التي عادت إلى الناجي.
وكان رمانة يشبه أخاه وحيد في تكالبه على المسرات واستهانته بعهد الناجي القديم. وأطلق وحيد على نفسه «صاحب الرؤيا»، ولكن الحرافيش دعوه سرا بالأعور. وعرف بشذوذه فلم يتزوج، وأحاط نفسه بفتية مثل المماليك؛ هكذا استقرت فتونة وحيد الأعور.
8
تعب قلب رضوان. غدا العمل يرهقه رغم أنه كان دون الأربعين. ما أسرع أن يتصبب عرقا باردا وتظلم الدنيا في عينيه! وتراكمت فوقه الأحزان بسبب مأساة أخيه سماحة وسلوك وحيد؛ لذلك عزفت نفسه عن التجارة والحياة، ومال إلى العزلة والعبادة. هكذا هجر المحل تاركا إدارته لرمانة وقرة.
9
احتل رمانة وقرة حجرة الإدارة، يشتركان في عمل واحد وقلباهما مفترقان. كان قرة وسيما، تشع من عينيه جاذبية، ورث من أمه محاسن دقة قسماتها ورشاقتها، فضلا عما عرف به من تهذيب واستقامة، كأنه شمس الدين في جماله وعذوبته دون قوته. أما رمانة فكان قصيرا بدينا مثل برميل، غامق اللون غليظ القسمات، به استهتار وخشونة. وكان قرة أقدر منه في الإدارة والتجارة، وأنقى منه في المعاملة، وقد أحبه العمال لسماحته وجوده. وكان رمانة يخالط أخاه وحيد في الغرزة، ويتورط في المغامرات بنهم، وينتقد - إذا سكر - شقيقه قرة حاسدا وساخرا.
قال مرة لقرة: إنك تبدد مالك لتشتري به حب العمال، أي حكمة في هذا؟!
فقال له قرة: العطف ليس تجارة. - ماذا هو إذن؟ - جربه يا رمانة!
فضحك ساخرا وهو يقول: ما أنت إلا ماكر.
ورغم أن قرة كان يصغر رمانة بعام إلا أنه كان يشعر بأنه مسئول عنه، حتى عن وحيد كان يشعر بمسئوليته أيضا. وضاق رمانة ووحيد بمثاليته. وغضب وحيد مرة فقال له: صرتم سادة الحارة بعد أن كنتم أذلاءها، ألا تقر لي بهذا الجميل؟
অজানা পৃষ্ঠা