193

57

وكان العام الأخير أشد الأعوام عذابا، وكلما مر منه يوم اشتد العذاب. إنه يستمسك بالصبر ويلاطفه ويتوسل إليه أن يثبت حتى الدقيقة الأخيرة. إنه يصارع الألم بعنف لا هوادة فيه، يغرق أفكاره في هموم الحياة اليومية ولكنها تأبى إلا أن تغرق في مجرى الزمن، أن تتابعه لحظة بعد أخرى، أن تندس في اللحظة حتى تتضخم فتصير دهرا، حتى تنغرز في أساس التجمد وتنعدم الحركة تماما.

58

ولم يبق إلا يوم واحد. صباح الغد وينتهي كل شيء. سينطلق إلى العمل لكي ينسى، ولكنه عجز عن العمل، عجز عن أي شيء إلا معانقة الزمن. عزيمته تتبدد وتتبخر. ويقول بصوت مرتفع كأنما يستمد من ارتفاع الصوت قوة ويجعل منه تعهدا أمام الكون: سأبيت ليلتي هنا، ثم أذهب مع الصباح إلى البيت.

ولكن تمردت أعصابه على حيلته. هزئت بتعهده. أرسلت أوامرها إلى أعضائه فكفت عن العمل، فلا طعام ولا شراب ولا حلم. راقب قرص الشمس المدقوق في السماء. جفت آخر قطرة للصبر.

سيبيت الليلة في حضن أسرته. وقذف بنفسه صوب الأمل.

59

سمعت محاسن طرقا خفيفا على الباب.

كان الأولاد قد ناموا على الشلت في الصالة، وكانت قد تزينت وتأهبت للنوم.

من الطارق والليل يكاد أن ينتصف؟

অজানা পৃষ্ঠা