ها هي الذكريات تدهمه في طوفان. كيف تسلل إلى داره سائل الدم، وسور التكية المسلح؟ ما أقسى قلوب الحناجر الذهبية! وصرخة مهلبية في جوف الليل طارت بكل الآمال الحية فألقتها وراء السور العتيق. بقي القلب المعذب الدامي وحده. تأوه من الأعماق. همس عمه في أذنه: إنك هنا سر من الأسرار الخفية.
وقال رضوان: لا ضمان لحياة أحدنا لو ذاع السر!
ها هي الحقيقة مخضبة الوجه بالخجل والعار. ولكن كيف هتك سر هربه؟!
19
تمضي صحته في التحسن يوما بعد يوم. وتستعاد الحكاية بتفاصيلها الوحشية. مهلبية قتلت. شهد عشرات بأنه - سماحة - استدرجها بحيلة إلى الساحة، ثم قتلها انتقاما منها لإيثارها الفللي عليه. شهدت بذلك أمها أيضا. آثرت المرأة الحياة على الموت فشهدت لصالح القتلة؛ وإذن فقد قتل، ثم لاذ بالفرار. وقال سماحة: صباح المسكينة هي التي اضطرت إلى البوح بسرنا!
وما العمل الآن؟
لا مفر من الهرب. كما هرب أبوه بكر وجدته سنية، كما اختفى عاشور. فليودع التكية والقبوة والزاوية والسبيل والحوض والوجوه الحميمة، كما ودع السعادة.
وسأل عمه: كيف تعاملون؟
فقال خضر بأسى: بالازدراء والغلظة.
فتأوه. غير أن عمه قال له: يجب أن يكون هربك هذه المرة سرا لا يفشى!
অজানা পৃষ্ঠা