93
الرواية الثانية: ما رواه مسلم بسنده عن معاذ بن جبل، قال: كنت ردف رسول الله ﷺ على حمار يقال له عفير، قال: فقال: "يامعاذ تدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله ﷿ أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا. قال: قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟، قال لا تبشرهم فيتكلوا" (١) .

(١) أما عن قوله ﵊: "لا تبشرهم فيتكلوا" فإنه يخشى ﵊ أن ينزلوها على غير وجهها، وذلك مشاهد فيمن لا علم له بالسنة والأحكام، فهو إنما يقتطع دليلًا من آية أو حديث فيقول به معرضًا عن القواعد الكلية وأصول الدين كلها، وقد ورد في الآثار ما يفيد النهي عن تحديث الناس بما لا تبلغه عقولهم في مواطن كثيرة، منها: ما ذكر أبو عمر بن عبد البر حافظ المغرب في كتابه: "جامع بيان العلم وفضله" عن ابن مسعود قال: "ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا يبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة". وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: "ما حدثت أحدًا بشئ من العلم قط لم يبلغه علمه إلا كان ضلالًا عليه". وعن ابن عباس: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله". ومن هنا يفهم منع الرسول ﷺ معاذًا من ذكر الحديث خوفًا من تأويله على غير وجهه، ثم ذكره معاذ تأثمًا من أن يكتم العلم الذي بلغه. وقد ورد عن عمر بن الخطاب في نفس المعنى من ضرورة فهم الآيات والأحاديث على وجهها ما ذكره الشاطبي في "الاعتصام" قال: "إنما هذا القرآن كلام فضعوه في مواضعه ولا تتبعوا به أهواءكم"، ويجرى معناه على الحديث الشريف كما هو واضح.

1 / 93