হাকিকা
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
জনগুলি
فوالحالة هذه ما الفائدة من الزعم بأن أرضنا إنما أتتها الحياة من كوكب اصطدام بها في مروره في الفضاء؟ إذ لا بد من الإقرار في كل الأحوال بأن التعضي قد وقع في المادة في أحد نجوم نظامنا الشمسي، فمن العبث إذن الإصرار على إنكار نشوء الحياة في الأرض. ا.ه.
والذي ارتأى أولا أن جراثيم الأجسام الحية وقعت مع الرجم هو السير «وليم طمسن» الإنكليزي، ومنذ مدة خطب بعضهم خطبة طويلة في تكون البرد، وقال: إنه يتكون من بخار موجود في الخلاء الذي بين الأجرام السماوية، فما أتم الخطبة حتى وقف السير «وليم طمسن» وقال: أظن الخطيب يمزح فيما يقول ؛ لأنه لو فرضنا تكون البرد في تلك الأعالي لذاب قبل أن بلغ الأرض بملايين من الأميال. ولما جلس قام اللورد «ريلي» وقال: أنا أعرف رجلا ارتأى رأيا أغرب من هذا، وهو أن بذور الأحياء هبطت على الأرض من السماء، فقال السير «وليم طمسن»: أنا لم أحتم بصحة ذلك، بل قلت بإمكانه، وبأنه لا يمكن أن يقام دليل على فساده.
وإذا تقرر ذلك وعلمنا به ما بين الأحياء من الارتباط لا يبقى علينا إلا النظر إلى الأصل الأول الذي تفرع منه عالم الأحياء، أتكون بفعل خلق خاص أم نشأ ذاتيا - ويراد بالنشوء الذاتي نشوء الحياة من المادة بقوة فيها - ونفي الخلق الخاص لا يلزم منه نفي الخلق الكلي، ثم ماذا كان هذا الأصل؟ وفي كلام النشوء والخلق لا بد أن يكون هذا الأصل إما حيا كاملا مؤلفا من أعضاء مختلفة، أو مادة حية يتألف منها الحي، ففي مذهب النشوء لا يصح أن يكون حيا كاملا؛ لأن ذلك يقتضي أن يكون هذا الحي قد تكون من المادة وقواها رأسا بتفاعلات شبيهة بالتفاعلات الكيماوية بدون استعداد سابق فيها، ومثل هذا الحي يعتبر جسما مركبا مختلطا بعيدا جدا عما تستطيع التفاعلات المذكورة أن تعمله.
ولا يصح في مذهب الخلق كذلك؛ أولا لأن التعويض عن الأنواع المنقرضة يستلزم خلقا متعاقبا، وإلا تلاشت الأنواع مع الزمان، وذلك كما تقدم لا يعلم، وثانيا لأنك ترى أن الخالق سلك في الخلق على نظام معلوم، فهو لم يخلق العوالم كما هي الآن، بل قسم الخلق إلى أطوار؛ فإما أن يكون قادرا ولم يفعل، وإما أن يكون مثل هذا الخلق ممتنعا، فخلق كل طور إعداديا لما بعده لتوقف صور المادة على وجود المادة أولا، ولتوقف الحياة على الصور الصالحة لها كذلك.
وفي كلا الأمرين لا بد من مراعاة نظام معلوم ربما جازت تسميته اقتصاديا في الأول، ويسمى ضروريا في الثاني. وقد تقرر أن النظام مطرد في سائر العلوم الطبيعية، فالسماء وكواكبها والأرض وطبقاتها إنما تكونت بالنشوء بعضها من بعض بقوى موجودة فيها، فلماذا لا يكون كذلك في العلوم البيولوجية؛ أي لماذا لا يكون سلوك الخالق في خلق الحياة كسلوكه في سائر الخلق؟ وأي دليل على أنه خالف هذا النظام؟ وهل تنقص الحكمة بذلك؟ فلا بد إذن في الخلق كما في النشوء من تكون المادة الحية من الجماد أولا قبل الحي. وهنا نقطة ملتقى الماديين بالإلهيين، وإذا أردنا الكلام على نشوء الحياة وجب علينا والحالة هذه أن نبحث عنه لا في الحي نفسه - مهما كان بسيطا - بل في هذه المادة الحية التي يتألف منها الحي؛ لنعلم إذا كان مثل هذه المادة ممكنا لها أن تتكون من الجماد رأسا، وأن تكون ذات حياة أيضا.
الفصل الثالث
في المادة الحية أو البروتوبلاسما
أول من قال بمادة أولى حية الفيلسوف الألماني «أوكن»، وسماها أورشليم من الألمانية، وقوله بها كان من باب الفرض، وكاد قوله يضعف لمناقضة الميكروغرافي أهرنبرغ له، لولا أن دوجاردن الطبيعي الفرنسوي بين أن في الحيوان مادة مؤلفة من حبيبات متجانسة أطلق عليها اسم السر كود، ثم عرف النباتيون وجود مادة في خليات النبات شبيهة بالسر كود، وسماها فون موهل بروتوبلاسما، وقد بين المشرح الألماني مكس شلتز وحدة السر كود والبروتوبلاسما، ثم تغلب اسم البروتوبلاسما في العلم لما في معناه من المناسبة؛ إذ معناه: المكون الأول.
ثم علم من التشريح أن جوهر الحياة غير قائم بالأنسجة والأجهزة وما أشبه؛ لأنها غير لازمة لها، وإن تكن مما يؤثر فيها، بل في هذه البروتوبلاسما العرية عن كل صورة، وعن كل بناء معين، فهي لا جامد ولا سائل، بل بينهما متجانسة كزلال البيض، ومركبة مثله من كربون وهيدروجين وأزوت وأكسجين، وقليل من الكبريت، ومواد أخرى معدنية. وهذا الأمر مهم جدا، فإن المادة الحية ليست بسيطة، بل مركبة من عناصر كيماوية بمقادير معينة، وزد على ذلك أنها شبيهة بصنف من المركبات يعرف بالمركبات الزلالية. وهذه لا شيء يحملنا على اعتبارها من طبيعة غير طبيعة سائر المركبات الكيماوية الاعتيادية، ومن ثم يعرض لنا سؤال مهم، وهو: هل يستطاع توليد البروتوبلاسما، ومن ثم خلق الحياة كيماويا؟
ويجب التمييز بين توليد البروتوبلاسما كيماويا والتولد الذاتي كما يفهم عادة؛ فليس المراد هنا توليد إحياء مركبة وإن كانت صغيرة جدا، ولا تكوين عنصر تشريحي مهما كان بسيطا، وما يطلب من الكيماوي أن يصنعه إنما هو هذه المادة المتجانسة البسيطة التي يظهر أن الحياة كائنة فيها. وفي بادئ الرأي لا يظهر هذا الأمر غريبا؛ لأن امتحانات باستور لا تطلق على البروتوبلاسما الحرة العرية عن كل صورة، والخالصة من كل صفة موروثة فيها، ولكن على الخمير وأنواع النقاعيات، وهي أجسام حية مركبة ذات تكوين معين، وصفات قديمة موروثة؛ أي على الأحياء لا على المادة الحية نفسها.
অজানা পৃষ্ঠা