হাকিকা
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
জনগুলি
وهذا ما يمتاز به العلم اليوم عما كان عليه في السابق، وهي الصفة التي تمتاز بها شعوب المغرب عن شعوب المشرق؛ فإن هؤلاء - كما يقول الشهرستاني - أكثر ميلهم إلى تقرير خواص الأشياء، والحكم بأحكام الماهيات والحقائق، وأولئك أكثر ميلهم إلى تقرير طبائع الأشياء، والحكم بأحكام الكيفيات والكميات. ولما كان النظر إلى الحقائق يقتضي النظر إلى الشيء مجردا عما يقوم به نشأ ما يسمونه التجريد، فاشتغل الناس بالبحث عن هذه الحقائق المجردة، فتاهوا فيها بحكم الضرورة، وضلوا في معرفتها حتى انتهوا فيها أحيانا إلى نوع من الإثبات في نوع من النفي؛ أي إنهم أثبتوا للشيء وجودا بنفي كل وجود عنه. وأي شيء أغرب من ذلك؟ بخلاف النظر إلى الكيفيات والكميات، فإنه يتقرر به أشياء كائنة حقيقة لا يستطاع إنكارها، وربما أطلقوا لفظة الحقائق على مثل هذا العلم، بل قصروها عليه لتعذر علم سواه.
ولا يخفى ما حصل للعلم من النهضة من أوائل هذا القرن في أيدي شعوب المغرب، وما حصل عنه من الفوائد كذلك، وإذا تحرينا حقيقة هذه النهضة نجد أنها كائنة في معرفة ما بين الأشياء من الارتباط، وإذا استقرينا سير الشعوب والأمم في الأفكار والعلوم منذ التاريخ، نجد أن تقرير هذا الارتباط لم يكن بدون مشقة كما يتوهم من ينظر إلى العلم اليوم، بل إنما صرف فيه الجهد الجهيد والزمن المديد، ففي عصور الميتولوجية كان عندهم لكل شيء قوة خاصة به تدبره؛ فإله الحرب - مثلا - كان غير إله البحر، كأن الإله الواحد لا يقدر على تدبير آخر غير ما اختص به، وإله الكرم غير إله القمح، كأن الواحد لا ينمو بما ينمو به الآخر.
وهكذا لم يكن يظن وجود ارتباط بين شيء وشيء من مواد الطبيعة وقواها، فنشأ مذهب تعدد المواد والقوى العام، ثم فصلوا القوى إلى علوية آمرة، وسفلية مأمورة، وفصلوا السفلية عن موادها، فكان مذهب التثنية، ولم يضموا القوى العلوية فلسفيا إلى واحدة إلا بعد ذلك كثيرا، فكان مذهب التوحيد العلوي، والتثنية في الخلق، والتثليث في الوجود، وبقي مذهب التعدد في الخليقة، ولا يمكن تتبع سير مرتب في ذلك، وما يمكن تحققه إنما هو نشوء لا ارتباط معه في الأفكار إلا فيما ندر وبجهد فلسفي.
أما العلم فلما كان مقيدا أكثر من الفلسفة، فلم يتهيأ له ضم القوى والمواد وربطها بعضها ببعض بالسرعة التي أمكنت لبعض الفلاسفة، فكانوا في أوائل هذا القرن يعتبرون القوى الطبيعية كالكهربائية والنور والحرارة سوائل مادية مستقلة بعضها عن بعض، ومستقلة عن المواد نفسها، وكذلك القوى الكيماوية والحيوية، ويعتبرون المواد أنيات منفصلة بعضها عن بعض انفصالا مطلقا، وعالم النبات منفصلا عن عالم الحيوان، وكل نوع منفصلا عن سواه، والأحياء كلها منفصلة عن عالم الجماد انفصالا تاما واضحا مطلقا، ولم يتيسر رد القوى الطبيعية كلها إلى واحدة، وترجيح كون المواد من أصل واحد ترجيحا علميا إلا من عهد قريب، ولم يجر ربط المواليد الثلاثة بعضها ببعض كذلك إلا في هذا العصر .
قال الطبيب من مقالة في الكلام على عالم الجماد ما نصه: «فإن التمييز بين النبات والحيوان يظهر في بادئ الرأي بدهيا سهلا، إلا أن ذلك إنما يكون في المراتب العليا منهما، على أنه بالنظر إلى الحقائق العلمية من أصعب ما وقف العلماء عليه جهدهم، ولا سيما من حيث اشتراك الحدود وتداخل الصفات المميزة في مراتبها السافلة، وكذلك التمييز بين عالم الجماد وعالمي النبات والحيوان، فإنه قد يكون من أكثر المسائل أشكالا في نظر المدققين.» وقد اتضح هذا الارتباط أكثر بمذهب دارون، وعظمت قيمته الفلسفية، كذلك والحاصل أن من تتبع سير العلم من أوائل هذا القرن يرى أنه مقسور على تقرير هذا الارتباط، والسير في سبيل إثبات الوحدة للكائنات.
على أن بعضهم مع اعترافه بارتباط العوالم الثلاثة، وارتباط القوى الطبيعية بعضها ببعض، ربما لم يسلم - ولا نعلم كيف - بارتباط هذه القوى بالحياة، ولم يسلم كذلك بارتباط قوى الحياة نفسها، فجعل الحياة أكثر من واحدة من حيث الأصل، ولو فصل بينها جميعا فصله بين المواد الحية والجماد لما جاز الاعتراض، ولكان هذا الفصل من الأمور اللازمة في العلم لسهولة البحث في المواضيع الكثيرة التي يتناولها: كفصل النور عن الحرارة، وفصلهما عن سائر القوى الطبيعية، مع اعتبار الرابط بينها، ولكنه لا يقول هذا القول، بل يفصل الحياة فصلا مطلقا، ويعتبرها جوهرا مجردا يتصل بالمادة اتصالا عارضا، وينفصل عنها انفصالا لازما عن مركباتها، بل عن المادة نفسها.
ومع أنه في فعله ذلك يرتكب خطأين عظيمين ضد العلم وضد الفلسفة، فهو لا يبالي ولو استمسك بالمحال. فأما خطؤه ضد الفلاسفة، فلأن توحيد القوى تارة، وتعديدها أخرى، وتجريدها عن المادة تارة، ووصلها بها أخرى، وتعديد المادة وتوحيدها أمور لا تتفق بعضها مع بعض، ولا تنطبق على العقل ولا على التصور الفلسفي لوحدة العالم.
وأما ضد العلم، فلأنه قد تبين اتصال مواليد الطبيعة بعضها ببعض، وأن القوى الطبيعية ليست سوى استحالات عن الحركة، وأن الحركة ليست سوى اهتزاز أجزاء المادة. وهذا يلزم منه أن تكون المادة وقواها أو الحركة شيئا واحدا، وقد تبين كذلك أن القوى المذكورة تفعل في الأحياء فعلها في الجماد، وأن المواد الداخلة في بناء الأحياء هي نفس المواد الموجودة في الجماد، وأن التفاعلات التي فيها من طبع التفاعلات التي تتم فيه.
والظاهر أن اعتبار الحياة جوهرا مجردا بقية موروثة من الاعتقاد القديم للقوى والمواد - على ما مر - وإلا فليس في العلم ما يسوغ ذلك، بل ذلك ينافي ما قد تقرر به من الارتباط على خط مستقيم، قالوا أولا: إن الحياة قوة مجردة تعرض على المادة فتبطل فعل القوى الطبيعية منها، وليس في أفعالها شيء من الارتباط السببي، ولما بين كلود برنار أن الحياة لا تبطل فعل القوى المذكورة ولا تضادها، وأن كل عمل في الأحياء له سبب معلوم لازم له كما في الجماد، قالوا: ولكن بناء الأحياء ليس فيه شيء من البساطة الهندسية للمعادن.
ولما بين شوان أن الأحياء من نبات وحيوان عبارة عن مجتمع خليات مؤلفة هي نفسها من غشاء مصمت كالبيضة يتضمن حويصلة ذات منظر مختلف في النواة، متضمنة هي نفسها كتلة صغيرة كروية هي النوية، وأن هذه الخليات ذات أشكال وحجوم لا ضابط لها فتتضام وتجتمع على ضروب شتى، كما تجتمع دقائق الجماد بدون أن تفقد استقلالها، وتؤلف وحدها كل الأحياء، قالوا: ولكن التفاعلات الحيوية غير التفاعلات الكيماوية.
অজানা পৃষ্ঠা