وتذكرت المثل القائل: «على الباغي تدور الدوائر.» فقد فعلت ما فعلت وارتكبت ما ارتكبت وفقدت ما فقدت لتحافظ على حب الرجل، وها هي ذي توشك أن تفقد - بمسعاها هي دون غيرها - الرجل وحبه.
يا له من ألم ساخر! ليتها أبقت على الخطيب الأول، أو ليتها تستطيع أن تسترده بأي ثمن.
ولم تنم من ليلتها ساعة واحدة. وعند الصباح حدثت المحامي بالتليفون وقالت ما تعودت أن تقول دائما: مساء اليوم في عشنا .. هه.
فأجابها بغير ما تعودت أن يجيبها به، قال: آسف جدا يا عزيزتي .. أنا مشغول جدا هذه الأيام.
وقد صدمها اعتذاره صدمة شديدة وخيب آمالها، ولم يفتها مغزي قوله «هذه الأيام»، ولكنها لم ترض بالهزيمة فقالت بسخرية مريرة: ومع هذا فأعمالك الكثيرة لا تمنعك من الذهاب إلى السينما؟
ماذا يستطيع أن يقول؟ قال إنه بالأمس فقط كان لديه متسع من الوقت أما الآن فلا.
ورأت أنه لا يكلف نفسه حتى الاعتذار المقبول. ولم يكلف نفسه؟ إنما يهتم بانتحال الأعذار من يهمه شخص المعتذر .. وقد غدت عنده شيئا رخيصا أو لا شيء مطلقا. أواه! أهكذا تتقلب القلوب؟ أهكذا ينسى الإنسان؟ أمن الممكن أن يضحى حب كحبهما ذكرى وحلما في لحظة سريعة؟ ألا من تدرج؟ ألا من رحمة؟
ولم تنقطع منذ ذلك اليوم المقابلات بين حياة والأستاذ عاصم، وشاهدتهما معا متنزهات القاهرة وخلواتها وملاهيها حتى توقعت الأيام يوما بعد يوم أن يتقدم الشاب لطلب يد الفتاة، ولكنه كان أحزم من أن يرتكب مثل هذه الهفوة؛ لأنه كان خبيرا بأخلاق روحية هانم عليما بطباعها وعنادها وغرامها به، فرسم في عقله خطة محكمة وعزم على تنفيذها بإرادة لا يثنيه عنها شيء، ولبثت روحية هانم في حيرة من أمرها تعاني أشد الآلام النفسية والقلبية، وتأسى بكراهية ابنتها لها وتحديها لعواطفها وبتمزق إرادتها نهب الأمومة المحتضرة والأهواء العنيفة، حتى كان مساء لا ينسى، إذ دخل عليها زوجها يهز خطابا في يده ثم يرميه في حجرها وهو يقول في لهجة الغاضب: اقرئي وانظري .. أي جراءة!
فتناولت الكتاب بقلب مذعور متطير، وقلقت عيناها بين الأسطر الآتية:
سيدي المبجل،
অজানা পৃষ্ঠা